المصطفى الجوي – موطني نيوز
اهل الفتوى وحراس الدين، الأوصياء على تطبيق الإسلام، وملاك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقا وحاليا، منهم من يرأس هيئة الترفيه. آل الشيخ، من ابن عبد الوهاب حتى تركي المستشار، “آل الشيخ” هو اللقب الذي بات يُعرف به أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو العائلة الثانية من حيث المكانة في السعودية بعد العائلة الحاكمة، أو هكذا كانوا. يعود نسبهم للشيخ ابن عبد الوهاب، الرجل الذي تلتصق به تسمية “الوهابية”، والتي لا يحبها منهم من نسله، حيث يقولون إنهم مسلمون وأهل سنة وجماعة، دعاة للعودة للأصول.
وقد ولد الشيخ ابن عبد الوهاب عام 1703 ميلادية في قرية تدعى العيينة في وسط نجد، وتبعد عن الرياض الآن قرابة 35 كيلومترا. واسمه الكامل هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن بريد. محمد من قريب من مشرف، وآل مشرف هؤلاء فرع من فروع آل وهبة، أحد فروع قبيلة بني تميم. وقد كان جد الشيخ محمد هو العالم النجدي الكبير سليمان بن علي، الذي تولى القضاء في رياض سدير ثم في مدينة العيينة. وكذلك والده الشيخ عبد الوهاب، فقد كان قاضيا للعيينة. وقد عُرف عن العائلة الإسلام الوسطي المعتدل السائد آنذاك في جزيرة العرب.
لكن محمد اتخذ مسارا مختلفا، يصفه البعض بالمتشدد، والبعض الآخر يراه عودة لأصول وثوابت الدين، حيث تأثر ابن عبد الوهاب بكتابات وأفكار ابن تيمية وابن القيم، وهم من أعلام السلفية وأقصى يمين المذهب الحنبلي. و”نابذ” الشيخ الجديد محمد كثيرا من الممارسات التي كانت شائعة آنذاك في نجد وما حولها، ممارسات فيها من البدع والضلال الكثير – بحسب رأيه، وانطلق ليدعو الناس ويحثهم على نبذ ما كان يرى به شركا، كزيارة القبور والتبرك بالأولياء والصالحين. لكنه أيضا كان متشددا في كثير من الأفكار، بحسب ما يرى منتقدو سيرته ومسيرته. وهذا، كما يقال، ما تسبب بطرد الشيخ محمد من مسقط رأسه والقرى المجاورة له، حتى انتهى به المطاف في منطقة أخرى هي الدرعية، المدينة التي شهدت ولادة الدولة السعودية الأولى.
فهناك كان قد وصل للزعامة في المنطقة، قبل وصول ابن عبد الوهاب، أمير جديد هو محمد بن سعود، العام 1727، وهذا الرجل كان يحلم بتوسيع مناطق حكمه، وينتظر الفرصة والقدرة على تنفيذ طموحاته. فوصل لضيافته الشيخ محمد بن عبد الوهاب، العام 1745، طالبا اللجوء والمقام. ابن سعود أمنه وقربه منه. وهناك، بحسب بعض المصادر، وتحديدا في هذا العام الذي وصل به ابن عبد الوهاب، بدأ بن سعود يرى الفرصة قد حانت للبدء في تنفيذ المشروع. لكن، وبحسب المصادر الرسمية السعودية الحالية، فإن بذرة الدولة السعودية الأولى كانت قد غرست قبل هذا التاريخ بـ18 عاما.
وأيا كان، لا يمكن لأحد إنكار الدور الذي لعبه ابن عبد الوهاب بنشوء وقيام الدولة، حيث تولى هو الإشراف على المسائل الدينية والدعوية، في حين تولى بن سعود الجانب السياسي والاقتصادي، وقاد هو الغزوات لضم باقي المناطق، بمباركة ودعم وغطاء ديني وفره ابن عبد الوهاب. وعلى هذا الاتفاق بتقاسم السلطات، سارت الدولة الأولى، التي لم تدم طويلا، حيث انهارت عام 1818، عقب احتلال العثمانيين لمدينة الدرعية.
لكن ست سنوات كانت كفيلة لوريث السلطة السعودية لإعلان دولته الثانية، لعام 1824، وفيها أعيد إحياء الاتفاق بين آل سعود وآل الشيخ. لكن أيضا، لن تدوم الدولة كثيرا، حيث ستنتهي العام 1891، وستلجأ الأسرة السعودية إلى الكويت ومعها طفل لم يتجاوز الحادي عشر من عمره هو عبد العزيز بن عبد الرحمن، الذي سيعود بعد 11 عاما للرياض فاتحا ومطالبا بعرش أسرته.
وهذا ما سينجح به، لكن أيضا رفقة حلفائه القدامى أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والذين باتوا يعرفون باسم آل الشيخ، وكانوا قد اشتهروا كسادة فتوى وأياه لها مكانتها وعلمائها، والذين كان على رأسهم آنذاك الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ. ولزيادة الترابط بين الأسرة السعودية وأسرة آل الشيخ، تزوج الملك عبد العزيز من ابنة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف. كما راحت أسرة آل الشيخ وشيوخها ترسل الخطابات إلى بقية العلماء في أرض الجزيرة طالبين فيها تأييد الملك عبد العزيز في معاركه لتوحيد الجزيرة. وفعلا استجاب كثيرون منهم لدعوة علماء آل الشيخ، ليعلن الملك عبد العزيز آل سعود قيام المملكة العربية السعودية عام 1932. وهي تعتبر الدولة السعودية الثالثة، والتي ما زالت باقية حتى الآن.
وخلال إعلان التأسيس وبناء الدولة، عادت معادلة الاتفاق القديم بين الأسرتين السعودية والوهابية للحياة، واحتكر تقريبا أبناء أسرة آل الشيخ جميع المناصب الدينية في الدولة الجديدة، من الإفتاء، للقضاء، للتعليم الديني، ومنذ ذلك الحين ظل يُنظر لأبنائها على أنهم أمراء غير متوجين، نظرا للمكانة الدينية والاجتماعية التي حظيت بها الأسرة بسبب قربهم من العائلة المالكة.
وطوال سنوات وعقود ظل لآل الشيخ كمالهم، وزاد على ذلك تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أربعينيات القرن العشرين، والتي منحتهم سلطة إضافية، حيث كان للهيئة صلاحيات واسعة لمراقبة الناس وإجبارهم ومنعهم ومعاقبتهم، وحتى امتلكوا الأدوات والقوانين اللازمة لذلك، حتى إن عدد المنتسبين للهيئة وصل للثمانية آلاف شخص بصلاحيات واسعة لاعتقال الناس وحتى معاقبتهم. ومنذ ذلك التأسيس، حافظ جميع ملوك السعودية على ما هو “ممنوح” لأسرة آل الشيخ من امتيازات.
حتى صعد للحكم في المملكة الملك سلمان بن عبد العزيز العام 2015، ومعه نجله القوي محمد بن سلمان، الذي شكل جسرا ستعبر عليه خلاله السلطة من جيل الأبناء لجيل الأحفاد، ومع رؤية مغايرة للسعودية ونظامها ومكانها ومكانتها، ومع “اتفاق” آخر غير ذلك الذي حكم السعودية لسنوات. والحديث هنا عن ذلك الاتفاق الذي قيل إنه وضع “ثنائية” الأسرتين على رأس السلطة في المملكة طوال سنوات.
حيث بدأ أن الأمير الشاب راغب بطي صفحة الماضي، وخاصة تلك المتعلقة بسطوة رجال الدين. وانتشر كلام عن كون ما يعرف بـ”الصحوة”، التي هي بجزء منها كان لآل الشيخ دور فيها، حيث تعتبر “الصحوة” نتاج الزواج بين الفكرة الإخوانية التي جاء بها للمملكة محمد سرور، والفكرة الوهابية. وغالبا ما تنسب فترة “الصحوة” للسرور، وهي ذاتها التي وظفتها سابقا الرياض، أي الفكرة الصحوية، لتوجيه المجاهدين نحو أفغانستان أيام حربهم ضد السوفيات.
وهنا يبرز رأي آخر يبرئ الوهابية، أو أفكار بن عبد الوهاب، من هذه الحقبة، فآل الشيخ، هم الممثلون الرسميون لأفكار جدهم، لطالما ظلوا تحت راية الحاكم، أيا كان، في السعودية، ولم يلعبوا أي دور “سياسي” طوال تاريخهم، وتنصل كثير منهم من حقبة “الصحوة” وما تلاها، ورد الأمر للسروري. وربما تجد بعض الحقيقة هنا، لكن حتى ابن سرور نفسه خلط بين أفكاره الإخوانية وتلك السلفية التي قام عليها فكر الشيخ وآله.
وأيا كانت الأصول والحقيقة، فالأمير محمد بن سلمان قرر أن يطوي هذه الصفحة للأبد. وليس هو وحده، بل حتى الشيخ أنفسهم، الذين لطالما اشتهر منهم المفتون، وزراء الأوقاف والدعاة، والآن بات أبرز الأسماء الصاعدة منهم هو المستشار تركي آل الشيخ، الذي قاد بمعية ولي العهد التغيير الحاصل في المملكة، وهو الآن يرأس هيئة “تناقض” تلك الهيئة التي أسستها عائلته، والحديث هنا عن هيئة الترفيه وهيئة الأمر بالمعروف. وبات اسم آل الشيخ يتردد بالحفلات الغنائية والفنية التي حرمها أجداده، ويلقب بـ”صانع السعادة” التي مُنع منها السعوديون لسنوات بسبب هيئة الأمر بالمعروف.
وعلى الرغم من أن منصب مفتي المملكة ما زال بيد آل الشيخ، لكن في السعودية الجديدة، باتت الفنون والترفيه أكثر أهمية وأكثر حضورا على الواجهة، وذلك طبعا بين مؤيد ومعارض. فالبعض يرى لآل الشيخ مكانة لا يجب أن تُمس، وآخرون يرون أن هذه الأسرة وَلّى زمنها، وأن أجيالا جديدة ولدت في المملكة، ليس من الأهمية بمكان أن تسير على ذات الدرب الذي ألفه أجدادهم، حتى لو كانوا من آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب.