المصطفى الجوي – موطني نيوز
في متابعة لما نشره موطني نيوز بخصوص واقع مركز حماية الطفولة في مدينة بنسليمان، تبين أن هناك خلل كبير في تسيير هذا المرفق الاجتماعي الحيوي والذي من المفترض أن يكون ملاذا آمنا للأطفال في نزاع مع القانون. ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك تماما. فعند الغوص في أعماق هذه المشكلة المتفاقمة، تتضح أبعادها المقلقة على مختلف المستويات.
فإذا كان الجهات المعنية تعتبر مراكز حماية الطفل مؤسسات اجتماعية تربوية تستقبل، وفقا لقرار قضائي، الأطفال مرتكبي الجنح أو المخالفات القانونية، تطبيقا للمادتين 471 و481 من قانون الإجراءات الجنائية المغربي. و المخصصة للأطفال القاصرين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و 18 عامًا الذين ارتكبوا أعمالًا إجرامية أو جنائية يعاقب عليها القانون، إلى صياغة مقترحات توجيهية يتم تقديمها إلى السلطات القضائية بهدف اتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة؛ وتقديم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية التي من المحتمل أن تساعد في إعادة التعليم وإعادة الإدماج الاجتماعي للقصر ؛ وتزويد القصر بالتدريب التربوي والمهني قصد تعزيز استقلاليتهم وإعادة ادماجهم الإجتماعي والإقتصادي عند إنقضاء فترة إقامتهم في المراكز؛ وترسيخ الروابط الإجتماعية للقصر مع أسرهم. فهذا لا ينطبق على مركز حماية الطفولة ببنسليمان الذي يستقبل قصر من 7 الى 14 سنة.
بداية، فإن موقع المركز ذاته يطرح إشكالا كبيرا، حيث أنه مشيد على مساحة شاسعة تبلغ 14 هكتارا، لكن البنايات الفعلية لا تتعدى سوى ثلث هذه المساحة، في حين أن الباقي عبارة عن غابة كثيفة يحرسها حارس أمن خاص واحد محسوب على جمعية تطوعت براتبه الشهري الذي لا يتعدى 1500 درهم والمفروض فيه حراسة 14 هكتارا و 48 قاصرا. وهو ما يجعل السيطرة والتحكم في المركز بمجمله أمرا شبه مستحيل. فضلا عن أن البناية نفسها قديمة ومتهالكة، ولم تعد صالحة لاستضافة هذه الفئة المستضعفة من الأطفال.
أما الإشكال الأخطر، فيتمثل في الاكتظاظ الكبير الذي يعرفه المركز، حيث أن عدد النزلاء الحاليين يبلغ 48 شخصا، في حين أن الطاقة الاستيعابية القانونية لا تتجاوز 30 نزيلا فقط. وهو ما يعني أن المركز يأوي ضعف عدد النزلاء المسموح به قانونيا. وهذا الاكتظاظ ينجر عنه العديد من الإشكاليات الأخرى. فعلى سبيل المثال، مرقد واحد من غرفتين حمولة كل واحدة منهما 15 طفلا، ليتحول بقدرة قادر الى 25 طفل..!!! زد على ذلك إستقبال المركز لـ 9 نزلاء يعانون من مرض التوحد، وهي فئة تحتاج إلى متخصصين وبرامج علاجية خاصة. لكن هذا غير متوفر على مستوى هذا المركز.
فمن جهة، فإن المركز يستضيف فئات مختلفة ومتنوعة، حيث أنه بجانب الأحداث ذوي النزاع مع القانون الذي هو تخصصهم في الأصل، يستقبل أيضا حالات ذوي الاحتياجات الخاصة والوضعية الصعبة. وهذا التنوع في الفئات المستفيدة يجعل من عملية التكفل والرعاية أمرا صعبا ومعقدا، خاصة في ظل افتقار المركز للكوادر المؤهلة تربويا ونفسيا وطبيا.
ومن جهة أخرى، فإن بعض الغرف المخصصة للإقامة تتجاوز الحد القانوني لعدد النزلاء، حيث أن بعضها يؤوي ما يزيد عن 20 نزيلا في الغرفة الواحدة، في حين أن القانون ينص على ألا يتعدى هذا العدد 15 نزيلا. مما يجعل ظروف إقامة هؤلاء الأطفال مزرية وغير إنسانية على الإطلاق.
إلى جانب ذلك، فإن الملفت للانتباه هو ظاهرة فرار النزلاء من هذا المركز، حيث أن هناك تسعة منهم يجوبون شوارع المدينة، ينامون في العراء ويتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال. في الوقت الذي تكون فيه السلطات المختصة على علم بتواجدهم، ولكنها لا تتخذ أي إجراء لضبطهم وإعادتهم إلى المركز. فنحن على يقين أن الاجراءات المسطرية المتبعة في حالة فرار الحدث من إحدى مؤسسات حماية الطفولة فإن الإدارة تربط الإتصال بقاضي الأحداث و النيابة العامة وتراسلهم في الامر، وفي المقابل يعطي السيد وكيل الملك تعليماته للجهات المفروض فيها إنفاذ القانون بضرورة ضبط الحدث الفار من المركز وارجاعه لمؤسسته، وهذا أمر طبيعي. لكن مدينة بنسليمان أو كما باتت تعرف بمدينة الفساد و السيبة لا يطبق فيها هذا العرف.
فإذا كانت النيابة العامة قد راسلت الجهات المعنية بضرورة اتخاذ المتعين، فما تفسيركم على مبيت هذه الفئة بالقرب من مركز الشرطة؟ وما سبب معرفة الأجهزة الأمنية و السلطة المحلية بمكان تواجد الأحداث الفارين من المركز ومع ذلك يتركونهم ينامون في الشارع عرضة للأخطار وعرضة للتقلبات المناخية؟. ألا يعلم السيد الوزير ومعه الوكيل و القاضي والسلطة أينما وجدت أن الأحداث بهذه المدينة باتوا يستعملون في ترويج المخدرات؟ ألا تعلمون أن القاصرين من نزلاء مركز حماية الطفولة باتوا يستغلون جنسيا وفي أمور السخرة وغيرها؟ إن كنتم لا تعلمون، ها نحن نرصد لكم مجموعة من الحالات وما عليكم سوى التحرك في إتجاه الحي الحسني بإعتباره سوق للمخدرات وستجدون هذه الفئة هناك، بل منهم من أصبح مدمن على المخدرات و البوفا و السليسيون وهو لم يتجاوز 12 سنة.
وفي ظل هذه الأوضاع الكارثية و لا إنسانية أين هو دور وزارة التضامن والإدماج الإجتماعي والأسرة؟ فعلى أي تضامن تتحدثون وأي إدماج تقصدون في ظل تشتت وتشرذم الاسرة، تسعة نزلاء أحداث يجوبون المدينة طولا و عرضا ينامون في الشارع ويستغلون أبشع إستغلال، ناهيك على من وصلوا سن 18 ووجدوا الشارع ينتظرهم. إن مركز حماية الطفولة بمدينة بنسليمان يتوفر على كل الخدمات الأساسية كالمأكل و المشرب و الملبس و التطبيب الى أخره، لكنه يفتقد الى بنية تحتية قوية، ينعدم فيه التأطير التربوي، لايوجد فيه أخصائي نفسي دون الحديث عن الغياب التام للمواكبة.
مرة أخرى أقول وأدق ناقوس الخطر. إن بعض هؤلاء الأحداث الفارين قد انخرطوا في أنشطة إجرامية كترويج المخدرات والاستغلال الجنسي، وقد أصبح بعضهم مدمنا عليها رغم صغر سنهم. في حين أن السلطات المحلية والأمنية على علم بهذه الحالات ولا تتحرك.
وفي ظل هذا المشهد المأساوي، يبرز تساؤل حول دور الوزارات المعنية وتحديدا وزارة الشباب والثقافة ووزارة التضامن والأسرة، اللتان لم تُبديا أي تفاعل أو اهتمام بهذه الإشكالية الخطيرة. فأين هو دورهما في إصلاح أوضاع هذا المركز وضمان حماية الأطفال المودعين به؟
إن هذه الصورة المرعبة التي تعكسها أوضاع مركز حماية الطفولة في بنسليمان، تطرح تساؤلات جدية حول مدى فعالية السياسات العمومية الموجهة لهذه الفئة الهشة من المجتمع. ويتطلب الأمر تدخلا عاجلا وحاسما من طرف السلطات المختصة لإصلاح الخلل الكبير الذي يعتري هذا المرفق الاجتماعي الحيوي، وضمان توفير الحماية والرعاية اللائقة للأطفال المودعين به.