المصطفى الجوي – موطني نيوز
تأمل في حياتك، ستلاحظ أنها تسير على النحو التالي: تطارد حلمًا معينًا، فإذا تحقق، انصرف ذهنك إلى غيره. تطارد هذا الحلم، وتصل إليه، ثم تنصرف لغيره، وهكذا ومن حلم إلى حلم تمر السنين، وتكتب سطور قصتك. وهذا أمر طبيعي، فالأحلام هي وقود الحياة، والشيء الذي يدير محرك الأيام. تتمنى أن تنجح في الدراسة، ثم أن تحصل على وظيفة بأجر عالٍ، ثم أن تتزوج امرأة تحبها، وأن تشتري سيارة ترغب في اقتنائها. وعندما تصل إلى ذلك، يخيل إليك أن اللعبة قد انتهت، وأن الحكم قد أعلن فوزك، فتتذوق لذة الانتصار، ونشوة الوصول. لكن فجأة ينقلب كل شيء، فالوظيفة التي حلمت بها أصبحت سجنًا تعاني بين جدرانه ولا تستطيع الفكاك منه. ضغوط، ومسؤوليات، ومدير متعنت، وزملاء حاقدون. والزوجة التي تمنيتها تحولت إلى إنسان يشقيك أكثر مما يسعدك، تختلق معك المشكلات، وتقوض صبرك، وتحطم أعصابك، وتحاصرك بمطالبها الصعبة. والسيارة التي حلمت أن تشتريها تدخل في دوامة أعطال وإصلاحات لا تنتهي. تسأل نفسك: ما الذي حصل؟ كيف تحولت كل الأشياء التي كانت تسعدني إلى أشياء تتعسني وتشقي؟
سيزول عجبك عندما تعرف أن كل الأشياء التي تعتبرها أنت غايات هي في منظور إرادة أخرى مجرد أدوات تحركها يد عظيمة، وتفعل بها ما تشاء. فإذا كان الإنسان محدود القدرات يستخدم أدواته في الشيء ونقيضه، مثلًا: يشرب الخمر أو الشاي في نفس الكأس، ويستخدم نفس السكين في تقطيع تفاحة، أو في طعن إنسان آخر، ونفس الجهاز تستخدمه في إذاعة أغانٍ سعيدة لك أو في عيد ميلاد ابنك، أو في إذاعة قرآن الكريم في عزاء والدك أو أحد اقرابائك، كيف تتصور أن يستخدم الله أدواته؟ وأنه هو من أضحك وأبكى؟ تضحك من قلبك عندما تحمل طفلك الرضيع على كفيك، وتبكي من قلبك عندما يكبر ويرفع صوته عليك. وأنه هو أضحك وأبكى سبحان الله.
لا تعتقد أن الله يجب أن يضحكك بوسيلة، ويبكيك بوسيلة أخرى. لا تعتقد أنك يمكن أن تقتنص شيئًا من ربك وتمر به. الله قادر على أن يبكيك بنفس الوسيلة التي أضحكك بها، وقادر على أن يحيل جنتك إلى جحيم، أو يحيل جحيمك إلى نعيم. يسوق إليك الآيات لكي تتعلم، ويريك أناسًا قد شقوا بما ابتغوا فيه السعادة، أو سعدوا بما فروا منه. لذلك قال الله في آية أخرى : “وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون” صدق الله العظيم. يعلمك الله أن تعبد الأسباب، وأن تعبد المسبب. كل ما تسعى إليه ليس غاية، الغاية هي وجه الله وحده، هو الذي يستطيع أن يغير كل شيء.
أم موسى عليه السلام خافت على ابنها من القتل، وهذا طبيعي، أي أم تخاف على ابنها من القتل؟ وأوحى الله إليها أن تلقيه في اليم، في البحر. هل هذا معقول بالنسبة لعقولنا؟ بالطبع لا، لكن له عند الله تقديرًا آخر. تربى موسى في بيت عدوه فرعون الذي خاف أن ينتهي حكمه على يد طفل من بني إسرائيل، فأراد الله أن تكون نهايته على يد الطفل ذاته الذي آواه في بيته. في مقدمة سورة يوسف يقول الله : “نحن نقص عليك أحسن القصص”، وصراحة عندما تتأمل سورة يوسف تجد أنها حقًا أحسن القصص. جرب أن تضع نفسك مكان يوسف، وأن تحكم على الأمور بعقلك المجرد. تحب أن أباك يحبك؟ إذا كانت إجابتك نعم، فاعلم أن حب أبي يوسف له ألقى به في البئر. طيب، تحب أن يلقى بك في البئر؟ طبعًا لا. إلقاء يوسف في البئر كان مقدمة لدخوله قصر العزيز واتخاذه له كولد. تحب تعيش في قصر العزيز، وأن يعتبرك ابنًا، وأن تتمتع بالجمال والشباب والجاذبية والجاه؟ كل هذه الأشياء أدت بيوسف إلى السجن. طيب، تحب تدخل السجن؟ من المؤكد أنك لا تحب، لكن ألا تعلم أن السجن قد أوصل يوسف إلى العرش. هذه هي تدابير الله، الله لا تحكمه الأسباب، وإنه هو أضحك وأبكى. يستطيع أن يضحكك من حيث اعتقدت أنه سيبكيك، وأن يبكيك من حيث توقعت أنه سيضحكك.
لو شغلتك عنه الوظيفة التي وفرها لك، قد يحيلها سجنًا تتعذب بداخله كل يوم، بل كل ساعة. ولو شغلتك الزوجة التي أعطاك إياها، قد يجعلها عدوًا مبينًا. ولو أنستك سيارتك الجديدة أن تحمده، واعتقدت أنك حصلت عليها بذكائك وقدراتك، قد يريك فيها أيامًا أسوأ من الأيام التي كنت تقطع فيها المسافات سيرًا على قدميك.
هل رأيت أسوأ من جندي يحارب جيشه بالسلاح الذي سلموه إياه؟ هنالك من هو أسوأ منه : العبد الذي يعصي الله بالنعم التي أعطاها له. فاعبد الله بالخير الذي أعطاه لك، واجعل كل ما هو منه إليه. والسلام عليكم.