المصطفى الجوي – موطني نيوز
إنّ البشر ينتسبون إلى أول من عاش على كوكب الأرض من الجنس البشري، وبالعودة إلى الأصل الوارد في القصص الدينية والآيات القرآنية، فإن البشر جميعًا من أم واحدة هي السيدة حواء أم الجنس البشري، خلقها الله تعالى مع آدم ليسكنا الجنة، إلا أن الروايات اختلفت حول من فيهما سبب في النزول للأرض بعد مخالفتهما أمر الله عز وجل. قال تعالى في سورة البقرة: “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [35] فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [36]”.
قصة السيدة حواء عليها السلام بدأت مع إخبار الله عز وجل لملائكته بأنه عز وجل سيجعل في الأرض خلفاء ليعمروها. قال الله تعالى في سورة البقرة: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [30]”، فهي رضي الله عنها وأرضاها زوجة آدم أبو البشر عليه السلام، وهي التي جاء منها البشر وتكاثروا فيما بعد، فمنها ومن آدم عليه السلام قد انحدرت البشرية، وإليهما تعود أنساب البشر.
فقد بدأت الحياة بعدما خلقهما الله تعالى وبعثهما في الجنة معه، فقد خلقها الله تعالى لتكون أنسًا لآدم عليه السلام وسكنًا له. وقد وردت قصتهما في القرآن الكريم في صور كثيرة، منها سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة الأعراف وسورة الإسراء وسورة طه وغيرها. وهناك أقوال كثيرة عن أسباب تسمية السيدة حواء عليها السلام بهذا الاسم، منها ما رواه الإمام النووي في شرح صحيح الإمام مسلم، رواية عن ابن عباس رضي الله عنه: أن السيدة حواء سميت بهذا الاسم لأنها أم كل حي، فجميع البشر قد أتوا من ذرية من حملت به حواء.
ولقد خلق الله عز وجل حواء بعدما خلق آدم عليه السلام، فقد بدأ الخلق بخلق آدم من تراب وإسكانه الجنة، ثم خلق حواء من ضلع سيدنا آدم عليه السلام، مصداقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا.” فالسيدة حواء عليها السلام مخلوقة من ضلع آدم، كما قال الله تعالى في سورة النساء: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [1]”.
وقال بعض العلماء: خلقها منه وأخرجها منه، كما تخرج النخلة من النواة أو النبتة من البذرة. وهناك رواية ذكرها الإمام القرطبي في تفسيره في سبب تسمية حواء بهذا الاسم تقول: الرواية أن قصة خلق حواء عليها السلام جاءت مع شعور سيدنا آدم عليه السلام بالوحدة وعدم وجود أنيس أو نيس، فكان يرجو بينه وبين نفسه أن يجد من يؤنسه في الجنة، وكان الله تعالى يعلم ما يدور في نفسه، فخلق له امرأة من جسده لتؤنسه، فعندما نام خلقها الله من ضلعه، وعندما استيقظ رأى حواء أمامه، فسألها: “من أنت؟” فأجابته: “بأنها امرأة”، وعندما أراد أن يعرف سبب خلقها، أجابته: “بأنها قد خلقت ليسكن إليها”، فسألها الملائكة: “ماذا يريد أن يسميها؟” فقال: “حواء”، وربما كان هذا اسمها لأنها خلقت من كائن حي.
بعد أن خلق الله تعالى حواء رضي الله عنها وأرضاها، صارت هي الأنيسة والمسلية لسيدنا آدم عليه السلام في الجنة، وكان عليهما السلام يعيشان حياة هادئة لا يعكر صفوها شيء، فكانا يمرحان في الجنة ويتناولان من ثمارها، وكانت حياتهما حياة رغيدة، كما وصفها القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة البقرة: “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا [35]”.
فقد أبيحت لهما الجنة كلها، يأكلان مما يشاءان، وينزلان في المكان الذي يشاءان. وبينما كان حواء قد رزقت الجنة ونعيمها مع زوجها آدم، أمرهما الله جل وعلا بأن لا يقتربا من شجرة معينة، وذلك لئلا يكسبا سخط الله عز وجل. يقول تعالى في سورة البقرة: “وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [35]”. ولم يبين القرآن الكريم نوع هذه الشجرة، بل ترك الأمر مجهولًا.
ظلت السيدة حواء رضي الله عنها وأرضاها مع زوجها آدم عليه السلام تنعم في الجنة، حتى وسوس إبليس لها ولزوجها بأن يأكلا من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن الأكل منها، وقد أغراهما بذلك بأن هذه الشجرة تحديدًا دون غيرها من الشجر هي شجرة الخلد، فإن أكلوا منها سيحظون بالخلد، وأنهما سيكونان من الملائكة، وذلك في قوله تعالى في سورة الأعراف: “فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [20]”.
وعن قصة خروج سيدنا آدم وسيدة حواء من الجنة، فهناك أقوال تتحدث عن أن السيدة حواء رضي الله عنها وأرضاها هي من دفعت سيدنا آدم عليه السلام ليأكل من الشجرة، وهو قول لم يذكر في القرآن الكريم أو السنة النبوية، بل بالعكس، آيات الله عز وجل حملت سيدنا آدم عليه السلام وحده مسؤولية الخروج من الجنة، كما في قوله تعالى في سورة طه: “فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [117]”، فكلمة “فتشقى” مخاطب بها آدم وحده، كما وردت أكثر من آيات في هذه القصة، ففي بعضها كان قد ذكر فيها آدم منفردًا يأكل من الشجرة، وفي بعضها قد ذكر معًا. فلم تكن حواء هي السبب للوقوع في المعصية، وكان اللوم أولًا على آدم عليه السلام، كما في عدد من الآيات، منها قوله تعالى في سورة طه: “وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [115]”. وأيضًا مرة أخرى يحذر الله تعالى آدم وحده، فيقول تعالى في سورة طه أيضًا: “فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [117]”.
بعدما أكل آدم وحواء من هذه الشجرة، وامتثلا لأمر إبليس، نزل سخط الله تعالى وغضبه عليهما. فأول ما بدأ هو سواتهما، أي عوراتهما، فعاتبهما الله تعالى على فعلتهما هذه، وسارعا يحاولان تغطية سواتهما من ورق أشجار الجنة. فكان غضب الله تعالى وسخطه هو عنوان هذه المرحلة من مراحل حياة السيدة حواء مع زوجها آدم. يقول تعالى في سورة طه، مصورًا هذا المشهد العصيب من حياة آدم: “فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ [121]”.
وقد دلت الآيات المذكورة على أن آدم وحواء كان في ستر من الله يستر به سواتهما، وأنهما لما أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عنها، انكشف ذلك الستر بسبب تلك الزلة، فبدت سواتهما أي عوراتهما، وسميت العورة سوءة لأن انكشافها يسوء صاحبها، وسارعا يحاولان ستر العورة بورق شجر الجنة.
في اللحظة التي عصت بها السيدة حواء وزوجها آدم عليهما السلام أمر الله تعالى، وامتثلا لأمر الشيطان وأكلا ثمار الشجرة، فأنهما سمعا صوتًا يناديهما، كان ذلك الصوت هو صوت الله عز وجل، وسألهما: ألم ينههما عن الأكل من تلك الشجرة؟ وكذلك سألهما: ألم يحذرهما من مكائد شيطان الرجيم؟ فبكى آدم وزوجته وتابا إلى الله تعالى، فغفر لهما، ولكن للتكفير عن ذنبهما أمرهما الله بالهبوط إلى الأرض هما وإبليس اللعين ومن ساعده من الحيوانات ليدخل الجنة التي كان مطرودًا منها. قال تعالى في سورة طه: “قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى [123] وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [124]”.
ووجب التنويه إلى أن هذه الجنة التي أخرجت منها السيدة حواء عليها السلام وزوجها آدم عليه السلام ليست جنة الخلد، لأن جنة الخلد لا يغادرها من دخلها ولا ترتكب فيها المعاصي، وقد أسكن الله سبحانه السيدة حواء وزوجها آدم عليهما السلام في جنة التجربة، تجربة المنهج، وذكرت الآية بلفظ “الجنة” ولم يقل إنها جنة عدن وجنة الخلد ولا جنة الفردوس.
ومع نزول السيدة حواء وزوجها آدم عليه السلام إلى الأرض، بدأت حياة البشرية بالكد والعمل، فالحياة لم تعد بهذه السهولة، فقد كانوا في الجنة يعيشون حياة هانئة سعيدة، يحصلون فيها على كل ما يتمنونه، ولكن ما حياتهم في الأرض حتى تغيرت أحوالهم. ففي هذه الأرض تتناوب فصول السنة الأربعة، ولكل فصل من هذه الفصول احتياجات وأمور خاصة به، ولابد لهم أن يؤمنوا المسكن والملبس والمأكل ليحافظوا على استمراريتهم على هذه الأرض. لذا بدأوا بالزراعة والسقاية والطحن والخبز ليتمكنوا من الاستمرار.
فقد روى ابن عساكر من طريق أبي القاسم البغوي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هَبَطَ آدَمُ وَحَوَّاءُ عُرْيَانَيْنِ جَمِيعًا عَلَيْهِمَا وَرَقُ الْجَنَّةِ، فَأَصَابَهُ الْحَرُّ حَتَّى قَعَدَ يَبْكِي وَيَقُولُ لَهَا: يَا حَوَّاءُ قَدْ آذَانِي الْحَرُّ قَدْ آذَانِي الْحَرُّ. قَالَ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ بِقُطْنٍ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَغْزِلَ، وَعَلَّمَهَا، وَأَمَرَ آدَمَ بِالْحِيَاكَةِ وَعَلَّمَهُ أَنْ يَنْسُجَ”.
وقد ذكر كتاب “زوجات الأنبياء” للدكتور مصطفى مراد أن حواء وضعت التوأمين هما قابيل وأخته لوذا، كما ولدت هابيل وأخته إقليمية، وكبر الأبناء في رعاية أمهم حواء إلى أن أوحى الله عز وجل إلى آدم أن يزوج قابيل توأمة هابيل، ويزوج هابيل توأمة قابيل، الذي لم يرض بهذا الزواج لأن توأمة هابيل أقل جمالًا، وجنح عن طاعة والده، وبيت الغدر لأخيه، وأقبل على قتله. فقال هابيل في هدوء ما حكاه القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة المائدة: “لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [28]”، وقتل قابيل هابيل، قال تعالى في سورة المائدة: “فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [30]”.
وروى الطبري رحمه الله أن حواء حملت بابنها شيث بعد مقتل هابيل بخمس سنين، ومعنى شيث “هبة الله”، وكان عمر آدم عليه السلام يوم ولد له شيث مئة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة، وكان عمر شيث يوم ولد له أنوش 165 سنة، وعاش بعد ذلك 807 سنوات، وولد له بنون وبنات غير أنوش.
ماتت السيدة حواء عليها السلام بعد موت زوجها آدم بسنة واحدة، حزنًا عليه، حيث دفنت معه، رضي الله عنها، رضي الله عن أمنا حواء وأبينا آدم عليهما السلام وأسكنهما جنته.
قصة السيدة حواء مليئة بالدروس المستفادة والمتمثلة في أنه يجب علينا الحذر من وسوسة الشيطان الرجيم، الذي هو عدو للبشر، والعلم بأنه يحقد عليهم لأنه يعتقد أنهم سبب طرده من الجنة، بينما السبب هو غروره وتكبره. بالإضافة إلى أن قصة السيدة حواء تعلمنا أيضًا أن الإنسان مخلوق ضعيف معرض للخطأ، فهو غير معصوم، ووجوب التوبة عندما يرتكب الإنسان إثمًا أو معصية، وعليه ألا ييأس من مغفرة الله تعالى ورحمته، فالله تعالى هو الغفور الرحيم الذي يغفر الذنوب والزلات، فقد قبل الله تعالى توبة حواء وآدم عليهما السلام بعد أن أخطآ.