المصطفى الجوي – موطني نيوز
اليوم سنتحدث عن حادثة غلق الكعبة..وهنا سيذهب عقلك حتما لحادثة الإرهابي جهيمان العتيبي ولكن في هذا التحقيق سنتحدث فيه عن حادثة أخطر من حادثة جهيمان العتيبي..حادثة اغلقت فيها الكعبة والحرم المكي 10 سنوات وذبح خلالها 10 الاف من الحجاج في قلب الحرم..حيث كانو يذبحون يوميا حوالي 1000 حاج، لدرجة أن لون أرضية الحرم التي كانت بيضاء أصبحت حمراء..باب الكعبة خُلع من مكانه وسُرق..وحتى الحجر الأسود لم يسلم فقد تم نزعه من مكانه وسرقته وبعدها قامو بضربه حتى إنقسم لنصفين..قائد المجموعة التي نفذت الهجوم على الحرم المكي أنزل بنطلونه وتبول على الكعبة (أكرمكم الله وأذاقه العذاب) وقال : أنا الله..لمن الملك اليوم..من قال من آمنهم من خوف..أنا الخوف فلماذا لم يأمنهم مني…
وقبل ظهور كل هذه الأحداث ظهر في العراق داعية شيعي إسمه حمدان الأشعث وكان معروفا حينها باسم حمدان القرمطي..وهذا بسبب مشيته الغريبة..هذا الرجل كان يعيش حياة زهد وتقشف وكان كل وقته يقضيه في الحديث مع الناس عن الدين ولكن لم يعيروه اي إهتمام..حتى كلمهم عن فكرة آل البيت والتشيع وهذا ما اعجب العراقيين حينها. والقرامطة حركة باطنية هدامة تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه وهو من خوزستان في الأهواز ثم رحل إلى الكوفة . وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم السري العسكري ، وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والخلط بين الجنسين وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية .
بدأ حمدان في كسب قاعدة جماهيرية من اشخاص يحبون الاستماع لما يقوله، ومن بين الاشخاص الذين اتبعوه كان هناك شخص اسمه ابو سعيد الجنابي. تذكرو معي هذا الاسم لأن له دور مهم في تحقيقنا هذا. الاشعث ولما زادت شعبيته قرر ان يرسل ابو سعيد الجنابي الى البحرين وقطر لدعوة الناس لاتباعه. فاقتنع عدد كبير من سكان البحرين بدعوته واتبعوه، وبدأت افكاره تنتشر حتى وصلت لليمن والمغرب وسوريا وايران.
دعوة حمدان الاشعث لما كبرت لم تقتصر على نشر الافكار المتعلقة بالتشيع وآل البيت، بل كانو يسعون لتكوين دولة، حيث بدأو في تأسيس اقتصاد وسلاح وتجارة وغيرها وهذا رغم انهم لا يملكون دولة لها حدود، حيث اسسو كيان داخل مجموعة دول وسمو نفسهم بالقرامطة نسبة لحمدان الاشعث او حمدان القرمطي مثلما اشتهر بين اهل العراق.
ظل حمدان مستقرا في العراق وكان يرسل رجاله وتابعيه لباقي الدول من اجل نشر دعوته وهذا سنة 899 ميلادي، وفي هذا الوقت كانت علاقة القرامطة بالدولة الفاطمية في مصر وبالقبائل العربية جيدة جدا، وهذا بسبب خلافات الدولة العباسية في العراق مع القبائل العربية وسأوضح لكم نقطة. العباسيين قبل ان يهزمو الامويين كانو هم اساس الجيش في الدولة الاموية ومن هنا جاءت الفكرة لحمدان الاشعث حيث كان يسعى لبناء جيش قوي اساسه القبائل العربية وسيكون هدف هذا الجيش هو نشر التشيع ومواجهة الدولة العباسية.
وبالفعل بدأ القرامطة في نشر افكارهم وعقيدتهم حتى عام 908 ميلادي حين اصبح صوتهم لا يعلى عليه واصبحو يشكلون ثقلا كبيرا حيث تحولت دعوتهم من الدعوة الدينية الى دعوة جديدة وغريبة، تتذكرون ابو سعيد الجنابي الذي ارسله الاشعث لليمن هذا الشخص اطلق دعوة جديدة هدفها هدم كل شيء من اجل بناء كل شيء، لن نرمم المعبد نحن سنهدمه ثم نبنيه!
ولكن هذه السياسة تسببت في حرق المئات من القرى المسلمة وقتل وحرق ونهب واغتصاب لدرجة ان هناك قرى اختفتو بالكانل بعد حرقها وقتل كل ساكنيها وعندما تم سؤالهم عن سبب هذه الفوضى كان ردهم غريبا حيث حاولو تبرير اعمالهم الوحشية بآيات من القرآن، “ونريد أن نمن على الذين استضعفو في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين” فهم كانو يعتقدون ان الله عز وجل اختارهم ليكونو الائمة والوارثين في الارض، وبما انهم كانو مستضعفين في الارض فقررو الانتقام من الاشخاص الذي استضعفوهم سابقا!
وبالمناسبة كانت اكبر اخطاء الخليفة العباسي انه لم يهتم بإنتشار القرامطة داخل الدولة العباسية، حيث قام القرامطة بتحريض العمال الافارقة في العراق على التمرد على العباسيين والمطالبة بحقوقهم، وهنا قام القرامطة بفتح باب التجنيد امام العمال الافارقة الذين كانو يحسون بالظلم من طرف الخليفة العباسي.
لدرجة ان الامام الطبري رحمة الله عليه يحكي ويقول ان مجموعة من أهل الكوفة ذهبو للخليفة العباسي من اجل تحذيره، وقالو له ان القرامطة يدعون لدين غير الاسلام ولكن الخليفة العباسي لم يعر الامر اي اهتمام. وقد قيل ان القرامطة استطاعو تجنيد ولاة داخل الدولة العباسية ليخدمو مصالحهم، حيث تم اعتقال والي من ولاة العراق من طرف الدولة العباسية لانه سهل انضمام افراد للقرامطة مقابل دنانير ذهبية، وبما ان هناك والي يقدم خدمة للقرامطة فحتما هناك ولاة غيره يقدمون نفس هذه الخدمة ولم يتم القبض عليهم، وهنا سنستنتج ان انتشار دولة القرامطة كان بسبب فساد ولاة الدولة العباسية انفسهم.
ابو سعيد الجنابي بدأ في تطوير خطاباته ومزجها بالقومية حيث كان يقول ان الله لا يحب العرب لانهم قتلو الحسين وانه يحب الفرس ويحب الاكاسرة الذين نشرو حقوق الأئمة وهنا كان القرامطة الفرس يستذكرون دولتهم التي اسقطها المسلمون السنة وهي الدولة الساسانية وهذا سيعطينا فكرة عن سبب كره الفرس للعرب المسلمين السنة.
انا ذكرت لكم ما سبق لأعطيكم فكرة عن سبب غلق الشيعة للكعبة والتبول عليها وقتل الاف الحجاج وهم يضحكون، ويقال ان عدد الجثث كان كبيرا فقامو برميها داخل بئر زمزم حتى ردم. فالقرامطة قوية شوكتهم وانتشرو في كل الدول وكان انتشارهم بالقوة. ففي قطر والتي كانت تسمى “هجر” منعو سكانها من منابع الماء وهددوهم ان لم يسلمو للقرامطة سيتم ابادتهم، وهنا العباسيون استشعرو الخطر وجهزو حملة عسكرية ضخمة للقضاء عليهم، ولكن القرامطة انتصرو على الحملة العباسية وكانت فضيحة حينها، لدرجة ان الخليفة العباسي قرر ان لا يرسل اي حملات عسكرية ضدهم مرة اخرى.
الامام الطبري رحمه الله لما وصف القرامطة قال انهم لما دخلو سوريا كانو يبيدون المدن والقرى، ويقول انهم لما ارادو دخول مدينة السلامية طمنهم القرامطة واعطوهم الامان ولما فتح سكان المدينة ابوابهم قام القرامطة بإبادتهم عن بكرة ابيهم ولم يتركو لا طفلا ولا عجوزا ولا امرأة وحتى المواشي والحيوانات ابيدت ومن بشاعة جرائمهم لا استطيع ذكرها في هذا التحقيق.
استمر الامر على حاله حتى قتل ابو سعيد الجنابي على يد احد خدمه والذي دخل عليه وقام بطعنه عدة مرات، وقد تولي ابنه ابو طاهر الجنابي الحكم من بعده وهنا تبدأ مذبحة الكعبة التي نفذها ابو طاهر الجنابي. هذا الشاب رغم صغر سنه إلا أن كرهه لأهل السنة والجماعة كان كبيرا وقرر أن يقوم بأفعال ابشع من افعال والده. حيث قرر مهاجمة قوافل الحجاج وهنا حذروه أن قوافل الحجاج تحت حماية الخلافة العباسية. فكان رده عليهم أنه لا يعترف بهذه الخلافة، وقال انا الخلافة.
وفعلا عام 912 ميلادي نفذو اول هجوم على قوافل الحجاج حيث هجم 1800 فارس قرمطي على قافلة حجاج وقتلو 2000 رجل و500 امرأة والباقي تم اخذهم كعبيد. ورغم ان قيمة القوافل التي سرقوها تجاوزت مليون دينار ذهبي، والاخطر من هذا انهم قامو بتقطيع العلم العباسي، وهذه كانت بمثابة اعلان حرب على الخليفة العباسي، الا ان الخليفة لم يرد على ابو طاهر الجنابي فأحس هذا الاخير بأن شوكته اقوى من شوكة الخليفة.
وارسل القرامطة رسالة للخليفة العباسي طالبوه فيها بالتنازل عن البصرة والاهواز او ان الهجمات على الحجاج ستستمر، الخليفة العباسي لم يرد عليه وهنا ابو طاهر احس بالاهانة وقرر التوقف عن مهاجمة الحجيج وحشد جيشا كبيرا وقرر التوجه نحو الكعبة لهدمها.
وبالفعل حشد جيشه ودخل الكعبة حين كان هناك الاف المصلين والحجاج وفجأة تفاجأ الحجاج بالقرامطة حاملين سيوفهم على ظهر الخيول وقامو بإبادة كل من كان في الحرم، حتى من هرب للجبال لحقوه وقامو بقتله. لقد قامو باعمال فضيعة اغتصبو النساء في صحن الكعبة، ابو طاهر الجنابي تبول على الكعبة بعد سرقة ذهبها وكسوتها، وامر جنوده بخلع بابها واخذه معهم، كما تم كسر الحجر الاسود وسرقته، وتم رمي جثث الحجاج في بئر زمزم حتى ردم، بعدها بدأ يبحث عن مقام سيدنا ابراهيم لسرقته ولكن سكان مكة قامو بإخفائه، ولما سألهم عن مكانه ورفضو اخباره قام بقتلهم جميعا.
ثم دخل صحن الكعبة وصرخ قائلا انا الله انا ربكم الاعلى الم تقولو ان من دخل هذا البيت فهو امن. والامام ابن الجوزي وضح هذا الامر وقال ان الامان في الحرم يقصد به الامان من عذاب يوم القيامة. بعد هذه الحادثة ولاة المسلمين رفضو ترك رعاياهم يزورون الكعبة خوفا على حياتهم، الحجر الاسود الذي تمت سرقته لم يرجع لمكانه الا بعد 22 سنة، ورجع نصفين، ولم يكن من السهل اعادة ارجاعه مرة اخرى، كل حكام العرب حاولو يسترجعوه بالقوة لكنهم لم يستطيعو فقررو شراءه من ابو طاهر الجنابي ولكنه رفض حتى عهد الخليفة الفاطمي عبيد الله المهدي والذي ارسل اليه رسالة شتمه فيها وقالو له : اخفقت علينا سعينا، واشبهت دولتنا بالكفر والالحاد بما فعلت، متى لم ترد على اهل مكة ما اخذت وتعيد الحجر الاسود الى مكانه فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة، وبالفعل اعاد الحجر الاسود مكسورا لنصفين بعد هذه الرسالة.
الموالين له كانو رافضين لفكرة سرقة الحجر ولكي يخفف من غضبهم قام بوضعه في مسجد سعد بن ابي وقاص في الكوفة وادعى حينها انه جاء به من مكة للحفاظ عليه وبعد سنوات اصيب ابو طاهر بالجذري وكبر في السن وتعذب بسبب هذا المرض حتى مات. بعد موته اغلب القرامطة هاجرو الى ايران والمتبقين تعرضو لهجمات من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله والذي ارسل لهم رسالة يحذرهم ولما استهزءو برسالته اعلن عليهم الحرب حتى ابادهم عن بكرة ابيهم.