المصطفى الجوي – موطني نيوز
ليسوا يهودًا لكن التوراة هي كتابهم المقدس وموسى نبيهم الأوحد وهو خاتم الأنبياء في معتقدهم. لديهم أركانًا خمسة وصلاة يسبقها وضوء.
يتصلون نسبًا بنبي الله هارون ومن خلفه يعقوب..ولم يتبق منهم الآن سوى 800 شخص..من هم؟ وأين يعيشون الآن؟وما قصتهم؟.
إنهم السامريون، هم طائفة دينية تعود جذورها إلى بلاد السامرة (شمال فلسطين الحالية). ويعتبرون أنفسهم خلفاء المملكة الإسرائيلية الشمالية القديمة.
من أهم معتقداتهم :
فالسامريون هم طائفة يؤمنون بالتوحيد وبموسى كنبي لكنهم لا يعترفون بالأنبياء الذين جاءوا بعده. كما أنهم يعتبرون جبل جرزيم المقدس وليس أورشليم.
يقدسون التوراة فقط ويرفضون باقي أسفار العهد القديم. لديهم نسختهم الخاصة من التوراة باللغة السامرية القديمة.
الغريب انهم ينتظرون قدوم نبي آخر اسمه المهدي. رغم أن عددهم حاليا يقدر بحوالي 800 شخص في العالم أغلبهم في نابلس بالضفة الغربية. ففي الماضي كان هناك خلاف كبير بين اليهود والسامريين لكن العلاقة أصبحت أفضل قليلا اليوم.
فبعد موت نبي الله سليمان عليه السلام أعلن ابنه رحبعام نفسه ملكًا على بني إسرائيل، حيث بايعه سبطا يهوذا وبنيامين ونفر من سبط لاوي، أما بقية الأسباط الاثني عشر فقد رفضوا مبايعته وانشقوا عليه، وبهذا تفرقت بني إسرائيل إلى فرقتين متنافستين ليس سياسيًا فحسب بل عقائديًا كذلك.
كلا الفرقتين نُسِب إلى مسمى مختلف، فمن انضوى تحت حكم رحبعام من سبط يهوذا وبنيامين سموا بالعبرانيين وكونوا مملكة يهوذا، أما بقية أسباط بني إسرائيل المنشقين وهم العدد الأكبر فقد سموا لاحقا بالسامريين، وأسسوا مملكة إسرائيل الشمالية واتخذوا من شيكم الكنعانية عاصمة لهم.
ظل التوتر والتنافس قائمًا بين الفرقتين على مدار العقود الأولى، حيث أرادت مملكة يهوذا أن تعيد وحدة الصف جبرًا لكنها لم تستطع، ثم سارت الأوضاع إلى الهدوء بين الطرفين، وخلال تلك الفترة استطاع عمري ملك الشمال تأسيس عاصمة جديدة لمملكته هي (السامرة) والتي تقع حاليًا ضمن قرية سبسطية.
لم يبق الخلاف بين المملكتين حبيس الحدود أو الملك بل تطور ليطال أسس العقيدة ومواضع التقديس، حيث آمن السامريون أن يعقوب الجد الأكبر لهم بنى معبده الذي أسماه معبد إيل على قمة جبل جرزيم المطلة عليه عاصمتهم وليس جبل صهيون كما يدعي اليهود، وبالتالي أصبح جرزيم جبلًا مقدسًا في عرفهم.
بعد أكثر من مائتي عام من التأسيس، وفي ظلال شتاء عام 722 ق.م غزا جيش الأشوريين بقيادة سرجون الثاني مدينة السامرة، حيث عاث فيها فسادًا وجعل أعزة أهلها أذلة، لم تمتد يده لتقتل أهلها، بل سباهم واستعبدهم ونقلهم إلى مملكته جميعًا سوى بعض من الفقراء والمعدمين الذين ظلوا.
لم يقف سرجون عند حد السبي وتشتيت أوصال الأسر والأسباط السامرية، بل جاء بأجناس مختلفة من شعب مملكته وأورثهم أرض السامرة، حيث انتقلوا للعيش فيها وبنوا معابدهم الوثنية، واختلطوا مع فقراء السامرية الباقيين، ومضت بهم السنون.
لكن على حين غرة اشتدت وطأة الوحوش البرية في المنطقة، وراحت تفتك وتقتل كل من يسكن السامرة، فظن المستعمرون الجدد أن هذه الوحوش ليست إلا جزءًا من غضب رب بني إسرائيل، فاستغاثوا على الفور بملك آشور، الذي أمدهم بأحد كهنة السامريين، كي يعلمهم الدين اتقاءً لهذا الغضب واسترضاءً للرب.
جاءهم الكاهن واستقبلوه في بيت إيل، وأخذ يعلمهم أصول الدين السامري اليهودي، ويقرأ عليهم أسفار موسى، فعبدوا إله اليهود وبجلوه، لكن رغم ذلك بحسب العهد القديم سفر الملوك الثاني، ظلوا على على عبادتهم لآلهتهم، أما السامريين الباقيين فقد ظلوا هم الآخرين على معتقدهم اليهودي.
إلى هذا الحد انتهت مملكة الشمال إلى الأبد، حيث سبي كثير من أهلها وأعيد تفريقهم على أماكن شتى، ليعرفوا منذ ذلك الحين في التراث اليهودي بالأسباط العشرة المفقودين، أما المملكة الجنوبية أو يهوذا فقد ظلت منيعة حتى العام 597 ق.م وهو العام الذي أبيدت فيه على يد البابليين.
بعد أن انتصر البابليون على المصريين، دانت لهم كل بلاد الشام، ليحاصروا عاصمة مملكة يهوذا قبل أن ينجحوا في اقتحامها، فدمروا الهيكل وقتلوا كثيرين، فيما الجزء الأكبر من المحاصرين تم اقتيادهم إلى بابل كسبايا فيما يعرف بالسبي البابلي، لتنتهي بذلك فصول مملكة يهوذا ووجودها.
مر وقت طويل واليهود سبايا في ظل الإمبراطورية البابلية، لكن مع سقوطها على يد قورش الأكبر حاكم فارس،سُمِح لهم بالعودة إلى فلسطين مجددا، بل وترميم هيكلهم وبناءه من جديد، في تلك الأثناء حاول السامريون التوحد مع اليهود من أجل بناء الهيكل، لكن اليهود رفضوا بحجة أنهم لم يعودوا أنقياء.
اتهم اليهود السامريين بأنهم وثنيين بحجة اختلاطهم بالوثنيين من الآشوريين الذين استوطنوا مدينتهم، لذلك رفضوا الوحدة معهم، لأن دمائهم لم تعد نقية في رأيهم، وبحسب العهد القديم غضب السامريون وراحوا يحرضون الملك على منع اليهود من بناء الهيكل، وهو ما كان، حيث منعوا من بناء الهيكل بالفعل.
منذ ذلك الحين استفحل الخلاف بين اليهود والسامريين أكثر من أي وقت مضى، وصار لفظ السامري لديهم من المشتقات الدالة على عكس الطهارة، حيث باتوا لا ينطقون به ولا يتعاملون معهم ولا يتوجهون إليهم بحديث ولا يمرون أبدًا بمساكنهم، ولا ينفكون يلعنونهم في كل مجامعهم.
عاد السامريون أدراجهم مجددًا نحو جبلهم جرزيم، حيث بنوا عليه هيكلا للعبادة عام 432 ق.م، واستضافوا به أحد الكهنة المطرودين من الكهنوت اليهودي بسبب زواجه من سامرية، وصار هذا الهيكل مقدسًا لديهم ويحجون إليه كل عام ثلاث مرات.
بعد زمن طويل كان على المسيح أن يعبر مدينة السامرة، لكنه اختار أن يستريح قليلًا بجوار أحد الآبار، على أن يرسل بعضًا من حواريه كي يبتاعوا له بعض الطعام من المدينة، جلس بجوار البئر مستظلًا بما حوله من حياة وأشجار، قبل أن تقصد البئر إحدى نساء السامريين.
طلب منها المسيح بعض الماء كي يشرب، فتعجبت من أمره، وقالت وعلامات الدهشة بادية على وجهها كيف تطلب مني الماء وأنت يهودي وأنا سامرية؟ فأجابها أن دين الله لا يعرف مكانًا، وأنه جامع الأشتات، ثم أخبرها بعضًا من أشد أسرارها حفظًا، ففطنت أنه نبي مرسل.
لما فطنت إلى تلك الحقيقة، سألته عن الصواب في عبادة الله. أنتبع آباءنا ونتوجه بالصلاة إلى جبل جرزيم كقبلة؟ أم نتوجه إلى أورشليم؟ فوجهها إلى أن السجود بالروح قبل الجسد. وتلك القصة الواردة في العهد الجديد تدلل بشكل أو بآخر على استمرار الخلاف بين الفرقتين حتى زمن المسيح.
في حين يرى اليهود السامريين مدعيين لا يجوز الاستماع لهم أو معاملتهم، يرى السامريون اليهود محرفين قد حرفوا كتابهم وزورا قبلتهم، فيما السامريين يرون أنفسهم متمسكين بالدين الصحيح، محافظين على الشريعة اليهودية النقية حتى اليوم، حتى أنهم يرون اسمهم مشتقًا من العبرية من كلمة المحافظين.
كانت أعداد السامريين في عصر المسيح عيسى عليه السلام تبلغ مئات الآلاف، لكن الكبح الدموي للثورات السامرية من قبل الإمبراطورية البيزنطية ما بين عام 529 : 555 م؛ أدى إلى تقليص عددهم بشكل كبير، كما أن التحول إلى المسيحية والإسلام قلل العدد أيضًا حتى وصل إلى 163 شخص عام 1922م.
نما العدد قليلًا الآن وتجاوز حاجز الـ 800 شخص، يعيش معظمهم في قرية كريات لوزة السامرية على جبل جرزيم قرب مدينة نابلس بالضفة الغربية، والبقية في منطقة حولون، قرب يافا، يتشاركون مع الفلسطينيين الهوية والعادات والعداء للاحتلال الاسرائيلي.
وبالطبع يتشاركون مع اليهود في عديد من التشريعات والعادات، إذ على المرأة لديهم أن تنعزل عن المجتمع خلال مدة الطمث، كما أن للسبت قدسية فلا يجوز مزاولة أي عمل فيه سوى تحضير طعام بارد، ولديهم سبعة أعياد أبرزها الفسح والفطير والحصاد والعرش.
تكافح الطائفة السامرية حاليًا من حيث الوجود، خصوصًا فيما يتعلق بتنمية أعدادهم حيث يعانون من الزيادة الملحوظة لعدد الرجال على الإناث، ما اضطرهم لإصدار تشريع ديني يسمح للرجال بالزواج من خارج الطائفة السامرية وفق شروط محددة، منها تحول العروس للسامرية.
يؤدي السامريون ثلاث صلوات يوميًا يسبقها ما يشبه الوضوء، فيما صلاتهم تنطوي على ركوع وسجود، أما زيهم التلقيدي فهو أبيض اللون يعرف بالقمباز، فيما الصيام لديهم هو يوم واحد في السنة كلها، يمتنعون فيه عن كل شيء حتى الكلام.
رغم أنهم ينأون بأنفسهم عن السياسة، إلا أن السامريين لم يسلموا من مضايقات الاحتلال الإسرائيلي، حيث تغلق أمامهم على مدى عشرات السنين “قلعة العالم” أعلى قمة جبل جرزيم، بحجة التنقيب الأثري، حيث يسعى الاحتلال للعثور علي أي شيء من شأنه نفي قدسية هذا الجبل.