المؤرخ تامر الزغاري – موطني نيوز
الفلسطيني الذي فتح الأندلس هو البطل موسى بن نصير، من أعظم قادة الأمويين، هو ابن فاتح قبرص، وقد فتح الأندلس بعد أن أعاد فتح المغرب العربي، ولكن نهايته كانت مؤلمة رغم كل بطولاته.
نشأته
ولد في قرية كفر مثري في جبال الجليل شمال فلسطين في عام 19 هجري الموافق 640م، وهو عربي من عشيرة أراشة من قبيلة بلي المنتشرة في شمال فلسطين ولذلك كان يسمى موسى بن نصير البلوي، ورواية الإنتماءإلى قبيلة بلي دعمها المؤرخون الأقرب لزمن موسى مثل البلاذري، وانتقل موسى إلى دمشق عام 22 هجري الموافق 643م وذلك عندما أصبح والده الحارس الشخصي لوالي بلاد الشام معاوية بن أبي سفيان (ر) وذلك في زمن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب (ر)، وزادت مكانة والده نصير البلوي عندما كلفه معاوية بن أبي سفيان (ر ) بقيادة القوات البحرية المكلفة بفتح جزيرة قبرص عام 28 هجري الموافق 648م، ونجح القائد نصير البلوي بفتحها وذلك في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان (ر)، وعندما تولى معاوية بن أبي سفيان (ر) الخلافة وأسس الدولة الأموية عام 41 هجري الموافق 661م قام بتعيين نصير البلوي قائداً أعلى للشرطة، وكان قرب نصير البلوي والد موسى من معاوية بن أبي سفيان (ر) سبباً في أن ينشأ موسى مع الأمراء الأمويين ويتلقى أفضل تعليم وتدريب ويكون مقرباً منهم، وأصبح الصديق والرفيق الأقرب للأمراء بشر وعبد العزيز أبناء الخليفة الأموي مروان بن الحكم.
حياته في العراق
بعد سنوات أمضاها موسى بن نصير في الجيش، تم تعيينه قائداً صغيرا في الجيش الأموي في مصر، وعندما تم تعيين الأمير بشر بن مروان والياً على العراق عام 70 هجري الموافق 690م، قام الأمير بشر باختيار صديقه موسى بن نصير ليكون نائبه ومسؤولاً عن خراج العراق، ولكن بعد سنتين قام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بتقسيم ولاية العراق لقسمين -ولاية الكوفة وولاية البصرة- ومنح ولاية الكوفة للحجاج بن يوسف الثقفي وولاية البصرة للأمير بشر بن مروان، فبقي موسى بن نصير مع بشر في البصرة إلى أن توفي الأمير بشر عام 74 هجري الموافق 694م.
دخوله السجن
أصبحت البصرة تابعة للحجاج فقام الحجاج باعتقال موسى بن نصير وسجنه بتهمة كيدية وهي الاختلاس، وعندما وصل الخبر لوالي مصر الأمير عبد العزيز بن مروان أرسل للحجاج يطلب منه الإفراج عن موسى بن نصير وأن يرسله له، فرفض الحجاج وأرسله إلى دمشق فغضب الخليفة عبد الملك بن مروان على موسى وشدد سجنه، فأتى الأمير عبد العزيز بن مروان وقابل أخاه الخليفة عبد الملك وأكد على براءة موسى من التهم، ودفع من ماله نصف المال الذي تم إتهام موسى به، فتم الإفراج عنه وأخذه والي مصر عبد العزيز بن مروان.
حياته في مصر
بمجرد وصوله إلى مصر قام واليها الأمير عبد العزيز بن مروان بتعيين موسى بن نصير قائداً لجند مصر عام 74 هجري الموافق 694م، فقام موسى بن نصير مباشرة بتنفيذ حملة ناجحة في برقة فقضى على المناطق المتمردة فيها، وفي عام 78 هجري الموافق 698م قام والي مصر الأمير عبد العزيز بن مروان بتعيين موسى بن نصير حاكماً على إفريقية وكانت إفريقية انذاك تابعة لمصر، واستطاع موسى أن يخمد ثورات البربر المتعاقبة، وبعث بالغنائم إلى عبد العزيز الذي بعثها بدوره إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، فسكن غضب عبد الملك على موسى، وقد اهتم موسى بنشر الإسلام بين البربر ومسالمتهم واستمالة رؤوسهم، ليضمن ألا يثوروا مجددًا، فانضم إلى جيشه الآلاف منهم بعد إسلامهم.
ولايته على إفريقية
في عام 86 هجري الموافق 705م توفي والي مصر الأمير عبد العزيز بن مروان وتوفي الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فقام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بفصل إفريقية عن مصر وجعلها ولاية مستقلة، وقام بتعيين موسى بن نصير والياً عليها، وذلك بهدف أن يعيد كامل بلاد المغرب العربي للحكم الأموي، حيث خرج أغلبها من السيطرة بعد استشهاد البطل عقبة بن نافع عام 63 هجري الموافق 683م، فوضع موسى بن نصير خطة لإعادة فتح كامل المغرب العربي.
بدأ موسى بن نُصير ولايته بإرسال جيشه لقتال المتمردين حول القيروان، فسيطر على قلعة غزوان التي كانت تهددها، ثم وجَّه ولداه عبد الله ومروان ففتحا نواحي في المغرب الأوسط، ثم فتح موسى بن نصير سجومة وقتل زعمائها، ثم فتح مُوسى بن نُصير مناطق قبائل هوارة وزناتة وكتامة، ثم غزا مُوسى المغرب الأقصى، فهزم البربر، وطاردهم غربًا حتى بلغ السوس الأدنى، ثم تقدم إلى سبتة، فصالحه حاكمها يُليان على أداء الجزية. كما غزا طنجة وفتح درعة وصحراء تافيلالت، وفتح ابنه السوس، وسيطر على طنجة سيطرة كاملة عام 88 هجري الموافق 707م فعين طارق بن زياد حاكماً على طنجة، وجعل جيش طنجة عدده 29 ألف مقاتل 17 ألف عربي و12 ألف بربري، وأمر العرب أن يعلموا البربر القُرآن وأن يُفقهوهم في الدين، ثُمَّ عاد إلى إفريقية، وقام في عام 89 هجري الموافق 708م بانشاء دار الصناعة لبناء أسطول بحري يحمي سواحل ولاية إفريقية من السفن البيزنطية.
فتح الأندلس
في عام 90 هجري الموافق 709م راسل الكونت يوليان حاكم سبتة التابع للملك القوطي موسى بن نصير عارضاً عليه التحالف لغزو الأندلس، وذلك إنتقاماً لقيام ملك القوط لوذريق باغتصاب ابنة يوليان، وذكر في رسالته إستعداد ابناء ملك القوط السابق الملك غطاشة أن يساندوا موسى بن نصير، فقد أخذ الملك لوذريق العرش من غطاشة وحرم أبناء غطاشة من حقهم، وكذلك كانت الأندلس تحت حكم القوط تعاني من إنقسام ديني بين أتباع المذهب الأريوسي من جهة وأتباع الكاثوليكية والارثوذكسية من جهة أخرى.
فراسل موسى بن نصير الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، فطلب الوليد اختبارها بالسرايا أولاً، فأرسل موسى بن نصير عام 91 هجري الموافق 710م سرية عددها 500 مقاتل بقيادة طريف بن مالك المذحجي، فنجحت السرية بمهمتها وسيطرت على جزيرة تم تسميتها بجزيرة طريف نسبة لقائد السرية، فجهز موسى بن نصير جيشاً عدده 7000 مقاتل بقيادة طارق بن زياد ودخل الأندلس عام 92 هجري الموافق 711م وسيطر على جبل أصبح اسمه جبل طارق نسبة لقائد الجيش.
فقام ملك القوط لوذريق بجمع جيش عدده 100 ألف وزحف به جنوباً، فراسل طارق موسى فأرسل له موسى 5 آلاف مقاتل ليصبح عدد جيشه 12 ألف مقاتل، فوقعت معركة وادي لكة فانتصر طارق نصراً ساحقاً، فارسل مغيث الرومي فسيطر على قرطبة، وأرسل موسى أوامره لطارق بالتوقف في قرطبة بسبب قلة عدد الجيش، وكلف موسى بن نصير ابنه عبد الله بحكم ولاية إفريقية، ودخل موسى بن نصير الأندلس عام 93 هجري الموافق 712م وفتح شذونة وقرمونة وإشبيلية وباجة وماردة، وفتح عبد العزيز بن موسى بن نصير لبلة، ونجح موسى بن نصير في قتل لوذريق آخر ملوك القوط في منطقة إيجيتانيا والتي تقع اليوم في البرتغال، والتقى موسى وطارق في طلبيرة، وسارا معًا إلى طليطلة عاصمة القوط وتم فتحها، ثم قام عبد العزيز بن موسى بن نصير بفتح سرقسطة وباقي المناطق التي لم تفتح وقضى على جيوب المقاومة، وبهذا تم فتح الأندلس عام 95 هجري الموافق 714م وأرسل موسى بن نصير للخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك يبشره بالفتح فأرسل له الوليد بأن يحضر له، فجعل موسى بن نصير ولاية الأندلس تحت حكم ابنه عبد العزيز بن موسى بن نصير.
مكافأته بقطع رأس ابنه
في عام 96 هجري الموافق 715م وصل موسى بن نصير وطارق بن زياد إلى دمشق وقابلا الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الذي كافأهما، ولكن توفي الوليد سريعاً فقد كان مرضه شديداً، وتولى الحكم الخليفة سليمان بن عبد الملك، والذي أمر بسجن موسى بن نصير وطارق بن زياد، وأمر بإعدام كبار الفاتحين محمد بن القاسم الثقفي وقتيبة بن مسلم وحتى عبد العزيز بن موسى بن نصير والذي تم قتله في إشبيلية وتم إرسال رأسه للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك.
وبعد وصول الرأس أمر الخليفة سليمان بن عبد الملك بجلب موسى بن نصير من سجنه ليرى رأس ابنه المقطوع، وعندما أتى موسى بن نصير قال له سليمان: «أتعرف هذا؟»، فقال موسى: «نعم أعرفه صوّامًا قوّامًا»، ثم أشار موسى لرأس ابنه وقال: «فعليه لعنة الله إن كان الذي قتله خيرًا منه» فأمر الخليفة سليمان بن عبد الملك بإعادة موسى بن نصير إلى سجنه، وأمر أيضاً بسجن ولداه عبد الله حاكم إفريقية وعبد الملك حاكم المغرب الأقصى.
ويعتبر سلوك الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك في قتل القادة الفاتحين لغز تاريخي ليس له جواب حاسم، ولكن التفسيرات الأقوى هو بأنه قتل محمد بن القاسم الثقفي وقتيبة بن مسلم بسبب كرهه للحجاج ورجاله ولإنهاء نفوذ قبيلة ثقيف، وقيل بأن سبب اضطهاده لموسى بن نصير وطارق بن زياد هو لرفضهم طلب سليمان بالانتظار في فلسطين وعدم دخول دمشق إلا بعد أن يموت الوليد ليسجل فتح الأندلس بإسم سليمان، ولكن طريقة قتل ابنه عبد العزيز بن موسى وتشفيه بموسى بن نصير يجعل هذا السبب ضعيفاً.
وفاته
بقي موسى بن نصير في السجن إلى أن شفع له القائد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وهو الصديق الأقرب للخليفة سليمان بن عبد الملك، فتم الإفراج عن موسى بن نصير وطارق بن زياد وعاش طارق بن زياد باقي حياته في دمشق، وأما موسى بن نصير فقد مات سريعاً في تاريخ 4 ذي الحجة 97 هجري الموافق في تاريخ 716/07/29م وذلك أثناء ذهابه لأداء مناسك الحج.
وللاسف استمر اضطهاد اسرة موسى بن نصير حتى بعد وفاته فقد أمر الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك بإعدام عبد الله بن موسى بن نصير عام 101 هجري الموافق 720م، وحاول الأمويون إصلاح العلاقة مع أسرة ابن نصير بعد أن انهارت دولتهم وسيطر العباسيون على كامل العراق عام 132 هجري الموافق 750م، فقام اخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد بتعيين عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير والياً على مصر، ولكن نجح العباسيون في السيطرة على مصر وأكرموا عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير وأخاه معاوية، وقام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بتعيين عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير البلوي والياً على بلاد فارس.
المصادر :
1) فتوح البلدان، البلاذري
2) الحلة السيراء، ابن الابار القضاعي
3) فتوح مصر والمغرب،ابن عبد الحكم
4) الكامل في التاريخ، ابن الاثير
5) تاريخ ابن خلدون، ابن خلدون
6) الاستقصا لِأخبار دول المغرب الأقصى، شهاب الدين الناصري
7) البيانُ المُغْرِب في اختصار أخبار ملوك الأندلُس والمغرب، ابن عذاري المراكشي.