شعيب جمال الدين – موطني نيوز
لا غزة ولا تل أبيب ولا واشنطن جميع خيوط عملية طوفان الأقصى تم الإعداد والترتيب لها بعناية بالغة منذ بداية الصيف بالغرف المظلمة بعواصم موسكو و طهران بعيدا عن توقعات تقارير الإستخبارات الأمريكية و الإسرائيلية و أجهزة الشرق الأوسطية و الدولية بصفة عامة.
خلفيات ما حدث فجر السبت 7 أكتوبر في قطاع غزة أكبر و أعمق بكثير من إستنتاجات الصحفيين والمحليليين و الخبراء الإستراتيجيين في برامج القنوات التلفزيونية.
كان قرار الحرس الثوري الإيراني إفتعال حرب في قطاع غزة ضد إسرائيل بإستخدام حركة حماس أحد الحلول الناجعة من أجل منع حرب وشيكة على حدودها الشمالية بمنطقة القوقاز بين أذربيجان و أرمينيا حيث كان الهدف هو إيران تقودها في الواجهة أذربيجان مدعومة من حلفاءها إسرائيل و تركيا وأمريكا تهدف إلى إحداث تغيير جيوسياسي في المنطقة عبر قطع المعبر البري بين إيران و أرمينيا مقابل إقامة ممر أرضي بين إقليم نخجوان يتمتع بحكم ذاتي و دولة أذربيجان عبر الأراضي الأرمينية،ستستفيد منها تركيا وإسرائيل.
خطوة معناها تطويق إيران وحرمانها من منفذها الوحيد على البحر الاسود و إغلاق بوابة أرمينيا التي تعتبر جسر طهران لتصدير بضائعها التجارية والصناعية لدول المنطقة،إضافة إلى إضعاف نفوذ إيران والمس بمصالحها العليا في شمال القوقاز و أسيا الوسطى في حالة نجاح هذه العملية التي ستكون من نتائجها تعزيز التعاون الرباعي بين أذربيجان وتركيا و إسرائيل وأرمينيا وهو ما تعتبره خطر محذقا بالأمن القومي الإيراني بحيث سيتسبب في الإخلال بالتوازنات القائمة منذ عقود طويلة فضلا عن خشيتها من إنهاء طموحها بجعل إيران مركز إستراتيجي للممرات التجارية الدولية.
القوى العظمى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تسعى بكل الطرق للبحث عن موطئ قدم لها قرب الحدود الإيرانية الشمالية التي تحدها أذربيجان على الشريط الحدودي البالغ طوله نحو 50 كيلومترا، في أفق إنشاء قواعد عسكرية تحت ذريعة حماية دولة أذربيجان من أي عدوان إيراني كما حدث مع دول الخليج بعد نهاية حرب الكويت سنة 1991.
من هذا المنطلق إلتقت المصالح والأهداف الإستراتيجية بين روسيا وجمهورية إيران الذي أثمر على إتفاق أو صفقة سرية تخدم المصالح العليا للبلدين، فموسكو إلتزمت بتوفير غطاء جوي كامل فوق القوقاز التابعة لها سياديا مما سيعرقل نجاح أي تدخل عسكري من طرف أذربيجان المدعومة عسكريا من القوى العظمى ضد أرمينيا حليفة إيران، إضافة إلى تزويد إيران بطائرات مقاتلة من طراز “ياك-130” ومنظومة الدفاع الجوي “إس-400” و أنظمة التشويش الإلكتروني.
في حين المطلوب من إيران فتح جبهة حرب في قطاع غزة بغاية خلط الأوراق الإسرائيلية و الأمريكية،عبر تحريك ذراعها حركة حماس من أجل تخفيف الضغط إلى أقصى درجاته على روسيا في حربها العسكرية على أوكرانيا وفك الحصار سياسيا على قصر الكرمليين على المستوى الداخلي، بعدما إستشعر فلاديمير بوتيين بحجم الورطة التي تسبب بدخوله في حرب كانت حسب تصريحه مجرد عملية خاصة لن تدوم سوى أيام قبل أن تصل إلى سنة ثمانية أشهر، إضافة إلى تحويل بوصلة الغرب و أمريكا من كييف إلى غزة مما سيكون من نتائجه نقل الدعم السياسي والعسكري إلى تل أبيب بدل من أوكرانيا لهذا أعتبر الرئيس فولوديمير زيلينسكي أكبر الخاسرين من إندلاع الحرب في قطاع غزة خصوصاً في هذا التوقيت.
من أكبر الدلائل على تورط روسيا مع إيران في عملية طوفان الأقصى هو مضمون تقرير المخابرات الخارجية الروسية المسرب صباح اليوم، ويتضمن ثلاثة عشر نقطة تتعلق جميعها بملف حرب فلسطين، وأكثر ما لفت إنتباهي في هذا التقرير هو نقطتين في غاية الأهمية :
أولا : إنزعاج المخابرات الروسية من تدخل الصين التي ترغب في القيام بوساطة بين الفصائل الفلسطينية و إسرائيل من أجل الوصول إلى هدنة ولو مؤقتة لمنع وقوع مأساة إنسانية في غزة ستؤدي إلى تعميق الصراع القائم.
ثانيا : توقع المخابرات الروسية سقوط 12 ألف صاروخ على إسرائيل في 48 ساعة القادمة وهذه معلومة أمنية سرية لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق إستخبارات إيران.
لكن حتى نكون واضحين في تقديم قراءة دقيقة لما حدث فجر السبت 7 أكتوبر 2023، فكل التداعيات التي نراها حاليا من رغبة إسرائيل تنفيذ إجتياح بري لقطاع غزة و محاولة توريط مصر عبر إجبارها على إستقبال نزوح لآلاف من ساكنة غزة في إتجاه سيناء و إنشاء لهم مخيمات، فكل هذا وغيرها من تطورات الأحداث المتسارعة، لا أعتبرها مخططات معدة سلفا بل قرارات إستخباراتية و سياسية صدرت حديثا أفرزتها عملية طوفان الأقصى و أرادت من خلالها واشنطن و تل أبيب إستغلالها جيذا لتغيير خريطة الشرق الأوسط.