رصاص فاتح نوفمبر حين أنهى “عيد الأضحى” آخر انتفاضة مسلحة بالمغرب

محاكمة متمردي مولاي بوعزة عام 1973

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

هل يمكن تخيل مشهد سياسي وتاريخي أكثر قتامة من أن يتزامن تنفيذ حكم الإعدام مع شعائر عيد الأضحى؟ في فاتح نوفمبر 1973، وبينما كانت سكاكين المغاربة تستعد لنحر أضاحي العيد، كان رصاص السلطة يخترق أجساد 14 متمرداً، ليسدل الستار بقسوة على فصول آخر انتفاضة مسلحة عرفها المغرب المعاصر. هذه هي القصة الدامية لأحداث “3 مارس 1973″، أو ما عُرفت بانتفاضة مولاي بوعزة.

محاكمة متمردي مولاي بوعزة عام 1973

لفهم جذور هذه الانتفاضة، لا بد من العودة إلى مطلع السبعينيات. كان المغرب يمر بـ”مرحلة عصيبة” بكل ما للكلمة من معنى. فالبلاد كانت قد خرجت لتوها من صدمة محاولتي انقلاب عسكريين في 1971 و 1972. وفي هذا المناخ المشحون، بلغ الاحتقان السياسي مداه بين القصر والمعارضة، وتحديداً الجناح الثوري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي قرر أن المواجهة المسلحة هي السبيل الوحيد للتغيير.

محاكمة متمردي مولاي بوعزة عام 1973

في 3 مارس 1973، انطلقت الخطة. عبر مناضلون من الجناح المسلح للاتحاد، من بينهم أسماء بارزة مثل محمود بنونة، وإبراهيم التزنيتي (النمرى)، وبارو مبارك، إلى جانب العديد من المقاومين القدامى، الحدود الجزائرية نحو الأطلس المتوسط. كان الهدف واضحاً وجذرياً، القيام بعمل عسكري واسع النطاق ضد النظام المغربي. انطلقت شرارة الانتفاضة من مولاي بوعزة، وتوزع العمل على أربع قواعد أساسية فكيك، وكلميمة، وتنغير، وخنيفرة. كُلفت مجموعة خنيفرة بمهمة دقيقة هي مهاجمة ملحقة مولاي بوعزة للاستيلاء على العتاد وتوزيعه على العناصر المشاركة، ومن ثم توسيع رقعة “الثورة” عبر توزيع مناشير وإلقاء قنابل يدوية في مريرت وأزرو وخنيفرة.

محاكمة متمردي مولاي بوعزة عام 1973

لكن ما حدث فعلياً في ليلة 4 مارس، كان درساً في كيف تنهار العمليات الثورية بسبب خطأ في التقدير. فبسبب خلل فادح في التواصل، انطلقت العملية “بمن حضر”، قبل ثلاثة أيام كاملة من الموعد المقرر لانطلاق باقي المجموعات بشكل متزامن. أطلق لحسن آيت عمي النار من رشاش كلاشنكوف على الحارس، فأرداه قتيلاً، بينما لاذ الحارس الثاني بالفرار ليبلغ السلطات. عمّ الارتباك صفوف المهاجمين وفشلوا في هدفهم الرئيسي بالوصول إلى مستودع الأسلحة. لم يكن التسرع وضعف التنسيق هما السببان الوحيدان للفشل؛ فالخيانة والاختراق الأمني لعبا دوراً حاسماً. أحد الوسطاء، الذي كان دركياً، تبين أنه عميل للسلطات، حيث كشف مواقع الأسلحة وخطط التنفيذ. وهكذا، انكشف أمر العملية برمتها قبل أن تبدأ في فكيك وتنغير، لتتحول إلى ما وصفه البعض لاحقاً بـ”الثورة البلانكية”، نسبة إلى أوغست بلانكي الذي اعتقد أن الثورة يمكن أن تبدأها مجموعة صغيرة ومنعزلة.

محاكمة متمردي مولاي بوعزة عام 1973

بعد فشل الهجوم، كان رد فعل السلطات عنيفاً وبلا رحمة. بدأت مطاردات واسعة استمرت حوالي ستة أشهر، استُخدمت فيها قوات الجيش المروحيات والوحدات الخاصة. كانت ذروة المأساة في “معركة أملاكو”، حيث حوصر محمود بنونة ورفيقه سليمان العلوي في منزل بعد وشاية، وقاوما بخطة دفاعية شرسة حتى سقط بنونة قتيلاً برصاصة قاتلة. بينما اختار قادة آخرون، مثل أسكور وصبري، إنهاء رحلتهم بالانتحار باستخدام السم، مفضلين الموت على الوقوع “حيين بيد النظام”.

محاكمة متمردي مولاي بوعزة عام 1973

كان تعاطي الدولة مع من تبقى قاسياً. بعد حملات اعتقال واسعة شابتها اتهامات بالتعذيب، بدأت “محاكمة القنيطرة العسكرية” الشهيرة في 25 يونيو 1973. قُدم للمحكمة 149 متهماً، وصدرت بحقهم أحكام شديدة، كان أبرزها 16 حكماً بالإعدام، طالت أسماء مثل عمر دهكون ولحسن تاغجيجت. وكما بدأت القصة، انتهت بمشهد تراجيدي؛ ففي نوفمبر 1973، تزامناً مع عيد الأضحى، نُفذت أحكام الإعدام، وأُتبعت بدفعة أخرى في غشت 1974. لقد فشلت ثورتهم، لكن الذاكرة احتفظت بأسمائهم كشباب قرروا في فترة حرجة من تاريخ المغرب تغيير الواقع على طريقتهم الخاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!