
المصطفى الجوي – موطني نيوز
أيها المواطنون الكرام، هل سبق لكم أن دخلتم إلى إحدى الصيدليات في البلاد بحثاً عن دواء حيوي لكم أو لأحد أطفالكم، فوجدتم نظرات الصيدلي تتراوح بين الخزي والعار، وهو يهمس في أذنك وكأنه يعلن وفاة قريب قائلا : “مَعْنْدِنَاشْ أسيدي، مْقطوع”؟ حينها، حتماً ستتساءل : كيف يختفي دواء السعال مثلا بينما لا تختفي المخدرات بشتى أشكالها من زقاق الحي؟ كيف يجفّ مصدر المضاد الحيوي بينما أنهار الكحول تجري في الحانات و الحياء من تحتها الأنهار؟
إنه لغز العصر الذي يعجز أينشتاين عن فك طلاسمه! ففي بلدنا الساحر، أصبحت أدوية الأطفال وعلاجات الأمراض المزمنة أشبه بـ “ضيفة خفيفة” تزور الصيدليات وتغادر دون سابق إنذار. إنها تمارس لعبة “الغُمّيضة” مع المرضى، بينما المخدرات والخمور تقف بثباتٍ كالجبال الرواسي، لا تعرف معنى للغياب، ولا تتأثر بالأزمات، ولا تخشى رقابة. إنه “الوفاء” بعينه!
نعم، إنها معجزة اقتصادية بحق! فسوق الدواء في المغرب يبدو هشاً متقلباً، قادر على الانهيار لأنف عطسة بسيطة تحت شعار “مقطوع”، بينما سوق المخدرات و الخمور صامدٌ كالفولاذ، ينتعش في الأزمات والمناسبات، ويواكب كل المواسم. هل سمعتم يوماً مدمناً يشكو من “نقص المخدرات و الخمور في السوق السوداء”؟ هل رأيتم حانةً علقت على بابها لافتة “مغلق بسبب انقطاع الكحول”؟ مستحيل! فهذه “السلع الاستراتيجية” محميةٌ بقوى السوق الخفية، ولها خطوط إمداد لا تنضب، ولوجيستيك تعجز أقوى الجيوش عن مضاهاته.
الأمر يذكرنا بنظرية “الاختفاء الانتقائي”. فالدواء يختفي لأنه بريء، ساذج، يثق في النظام ويهم صحة المواطن تماما كتدني الخدمات الصحية و التعليمية. بينما المخدرات والخمور لا تختفي لأنها “عريقة” في الإجرام، خبيرة في التهريب، ولا تعترف بالقوانين. إنها تمتلك “مناعةً إدارية” ضد الاختفاء! فالدواء يمر عبر قنوات رسمية معقدة، مليئة بالأختام والوثائق، فتتعثر. أما “سلع الظل” فتسلك طرقاً مختصرة، في حقائب مهربين، أو عبر أنفاق تحت الأرض، أو عبر الغابات و الطريق السيار وفي اغلب الحالات تشق أمواج البحر العاتية فتصل بسلاسة وكفاءة تثير الإعجاب! ومنها من يرمى على الشواطيء خدمتا و اعترافا بالزبون المدمن.
فلنتخيل المشهد، طفلٌ يبكي والده يحمل وصفة طبية كأنها خريطة كنز، يتجول بين الصيدليات كعقلة إصبع في رواية “الأمل” لإيزابل الليندي، بينما تاجر المخدرات جالسٌ في مقهى، ينتظره “زبائنه” بكل أريحية، والطلب والعرض في توازن بديع. إنه اقتصاد الظل في أبهى صوره!
ربما حان الوقت لتعلم وزارة الصحة بعض الدروس من “هيئة تهريب المخدرات غير المرئية”. فلنستبدل شاحنات الأدوية بزوارق مطاطية! ولنستبدل الأوراق الرسمية بإشارات سرية بين الصيادلة وموردي الأدوية! أو ببساطة، لنعلن أن الأدوية أصبحت “ممنوعة قانوناً” كالمخدرات، عندها فقط سنضمن تدفقها بانتظام في السوق السوداء، ولن نسمع مرة أخرى تلك العبارة المأساوية: “مْقطوع أسيدي…تقدر تبان في الاسبوع الجاي إن شاء الله”.
للأسف الشديد، إذا كان بإمكانك أن تجد الهيروين الذي يعتبر من المخدرات الصلبة في أبسط الأزقة في أي وقت، ولكنك تعجز عن العثور على “بايكوتين” في الصيدلية، فإعلم أنك تعيش في الكوميديا السوداء التي نسميها “الواقع المغربي”. فلتضحك كي لا تبكي. لأن ما ينطبق على هذه الكعظلة هو صورة طبق الأصل لما تعانيه مستشفياتنا بسبب العطال الدائمة لأشجهزة الأشعة “سكانير” أو غيرها من أجهزة الراديو. في حين نجد رادارات السرعة منتشرة في كل الطرقات ومداخل المدن و القرى معرضة لأقصى العوامل المناخية و الغبار ومع ذلك نجدها صامدة و لا تصاب بأي عطل..!!! في حين أن أجهزة الأشعة توجد داخل غرف معلقة وبدون نوافذ و لاتطالها المطار و لا أشعة الشمس و لا حتى الغبار ومع ذلك يقولون لك “الراديو خاسر”.