مطالب “جيل Z” بين مطرقة القمع وسندان الإهمال

حتى الفتيات لم يسلمن من بطش الأمن

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

خرجت شوارع عدة مدن مغربية على وقع احتجاجات شبابية سلمية تندرج في إطار حراك اجتماعي مطالب بالكرامة والعيش الكريم. لكن التعامل الأمني مع هذه الوقفات أظهر فجوة عميقة بين منطق الشارع ومنطق الدولة، حيث تحولت مطالب مشروعة في الصحة والتعليم والعيش الكريم، وهي حقوق دستورية، إلى مواجهة مع رجال الأمن.

إن وصف التعامل الأمني مع هذه الاحتجاجات بأنه “أسلوب غبي” ليس تجنياً على أحد، بل هو تشخيص لواقع مرير. فالقمع والاعتقالات ليست إلا حلولاً سطحية تخدش ظاهر المشكلة دون أن تعالج جذورها. هذا المنطق الأمني القصير النظر لا يؤدي إلا إلى نتائج عكسية، حيث يدفع الشباب المحبط، والمحروم من قنوات التعبير السلمي، إلى اليأس من النظام القائم، وقد يدفعه للبحث عن ملاذات أخرى، قد تكون جهات متطرفة أو جماعات هدامة، تنتظر مثل هذه الفرص للتجنيد. والعنف، كما تثبت تجارب الشعوب، لا يولد سوى العنف، وما حصل على الطريق السيار في الدار البيضاء ليس سوى مؤشر على أن كيل الصبر قد فاض، وأن الأمور قد تخرج عن السيطرة إذا استمر هذا النهج.

لأن جوهر الأزمة في المغرب لا يكمن في الشباب المتظاهر، بل في منهجية الارتجال وغياب الرؤية الاستراتيجية في معالجة القضايا الاجتماعية من قبل المسؤولين السياسيين. فبدلاً أن يكونوا طوق نجاة، أصبحوا ثقلاً يزيد الأوضاع تأزماً. كما أن الأجهزة الأمنية، رغم كفاءتها، تبدو عاجزة عن استيعاب درس التاريخ، فالقمع ليس حلاً، وأن هؤلاء الشباب الذين تواجههم بالعنف هم في الحقيقة أبناء هذا الوطن، هم لحمته وسداه، وهم مستقبله الذي لا مستقبل بدونه.

وفي مشهد يعكس الخوف من صوت الشارع، شهدت عدة مدن، وعلى رأسها العاصمة الرباط، انتشاراً أمنياً مكثفاً حوّل الفضاءات العمومية إلى ثكنات عسكرية، حيث طوقت القوات الأمنية مقرات سيادية مثل البرلمان، وحالت دون تجمع مواطنين لمطالبة الحكومة بما هو حق لهم. هذا الحصار للرأي والمعارضة السلمية لا يليق بدولة تسعى لأن تكون ديمقراطية.

هذه التطورات لم تأت من فراغ، بل جاءت كرد فعل طبيعي على دعوات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن شرارة الغضب لم تنطفئ، وأن جيلاً جديداً يرفض أن يرث اليأس. لقد آن الأوان لمراجعة جذرية لهذه السياسات المتعثرة. آن الأوان للاستماع إلى هؤلاء الشباب بدلاً عن تكميم أفواههم، واستيعاب مطالبهم بدلاً عن قمعها، والعمل الجاد على معالجة أسباب الاحتقان بدلاً عن التركيز على قمع المحتجين. فالوطن للجميع، وأولى خطوات إنقاذه هي الاعتراف بأن أبناءه ليسوا أعداءً، وأن كرامتهم ليست ترفاً، بل هي أساس الاستقرار والبناء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!