
بقلم الاستاذ كفيل محمد – موطني نيوز
الامين العام لحزب النهضة والفضيلة
مع اقتراب الموسم الدراسي الجديد، يتكرر المشهد نفسه في عدد من الدواوير والفرعيات النائية: أساتذة شباب يجدون أنفسهم مضطرين لشد الرحال إلى مناطق لم يسمعوا بها من قبل، ليكتشفوا عند الوصول أن الطريق إليها ليس إلا مسالك وعرة لا تصل إليها وسائل النقل العمومي، بل إن بعضها لا تصلها حتى الدواب. هؤلاء القادمون من المدن والحواضر يُلقون فجأة في مواجهة واقع قاسٍ: عزلة، بُعد، وصعوبة أبسط مقومات الحياة اليومية.
لكن المشكلة لا تقف عند حدود معاناة المدرسين، بل تمتد أبعد من ذلك لتشمل الأطفال وأسرهم. فهل من العدل أن يضطر تلميذ في عمر الزهور لقطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام في عز البرد أو تحت لهيب الشمس كي يصل إلى قسمه؟ وهل من المنطقي أن يكون الحق في التعليم رهيناً بقدرة الطفل على احتمال الطريق؟ التعليم حق دستوري ومشروع مجتمعي، لكن حين يتحول إلى رحلة عذاب يومية فإن جوهره يتبخر، ويصبح مجرد شعار يرفع على الورق.
السؤال الذي يفرض نفسه بحدة: هل أعدت الحكومة والوزارة الوصية خطة فعلية لمعالجة هذه الفجوة الصارخة؟ هل يعقل أن نستمر في الحديث عن إصلاح المنظومة التعليمية بينما عشرات الآلاف من الأطفال والمدرسين يخوضون حرباً يومية مع التضاريس والعزلة؟ كيف يمكن أن نطمح إلى تعليم جيد ومتكافئ بينما مغرب “البنية التحتية” يسير بسرعتين، بل بواقعين متناقضين: مدارس حضرية مجهزة وطرق معبدة من جهة، وأقسام بدائية معزولة بلا طرقات من جهة أخرى؟
خطاب صاحب الجلالة كان واضحاً حين دعا إلى مغرب واحد متماسك، لا مغربين متباعدين؛ مغرب لا يقبل أن يعيش جزء من أبنائه في حرمان مضاعف، تعليمياً وتنموياً. ومع ذلك، يبدو أن المسؤولين لم يستوعبوا بعد أن هذه الهوة لا تُسد بخطابات ولا بموسم دراسي يُفتتح كل عام بالوعود نفسها. إن الحق في النقل المدرسي اللائق ليس ترفاً، بل هو شرط أساسي لجعل الحق في التعليم حقيقة ملموسة.
فإلى متى سيبقى أطفال القرى رهائن للطرق المقطوعة، وإلى متى سيظل الأساتذة يحاربون العزلة قبل أن يبدأوا معركتهم في القسم؟ الأكيد أن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل، لأن مدارس بلا طرقات ليست سوى إعلان صريح عن تهميش مناطق بأكملها، وعن مغرب عميق لم يجد بعد طريقه إلى العدالة الاجتماعية.