
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وما يشهده الفضاء العام من تفاعلات يومية، تبرز أهمية وسائل التوثيق الميداني كأداة حيوية لحماية الحقوق وإرساء مبادئ الشفافية. وقد أعاد حادث تداول فيديو يوثق طلب رجل أمن رشوة من سائق أجنبي، وما تبعه من إجراءات توقيف الضابط، الجدل حول الدور المحوري لكاميرات المراقبة داخل السيارات. هذا الحدث، الذي ليس حالة معزولة، يسلط الضوء على الحاجة الماسة لمثل هذه الأدوات في توثيق التجاوزات، خاصة في المواقف التي يغيب فيها الشهود أو يصعب فيها إثبات الوقائع. ورغم الأهمية المتزايدة لهذه الكاميرات، لا يزال البعض يثير تساؤلات حول شرعيتها، مدعين أنها غير قانونية، وهو ادعاء يتنافى مع المقتضيات القانونية المعمول بها في المغرب.
إن الأساس القانوني لتركيب كاميرات المراقبة داخل السيارات في المغرب يستند إلى مبدأ “الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص يمنعها”. فبالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي، أو أي تشريع خاص ذي صلة، لا يوجد أي نص صريح يمنع المواطن من تثبيت كاميرا داخل مركبته. بل على العكس، يمكن اعتبار هذا الحق جزءًا من الحق في الإثبات وحماية الممتلكات الشخصية، شريطة الالتزام بضوابط معينة تضمن عدم المساس بالحقوق والحريات الفردية. هذه الضوابط تتمثل أساسًا في ضرورة أن تكون الكاميرا مثبتة في مكان ظاهر وواضح للعيان، بحيث يكون من المتوقع أن يدرك الأشخاص المتواجدون في محيط التصوير أنهم قد يكونون تحت المراقبة. هذا الشرط يهدف إلى تحقيق الشفافية وتجنب التصوير السري الذي قد ينتهك خصوصية الأفراد. كما يجب ألا تستخدم الكاميرا لتصوير الأفراد بشكل سري أو بهدف جمع معطيات خاصة بطريقة غير مشروعة، وهو ما يتسق مع مقتضيات القانون رقم 09-08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.
أما بخصوص استخدام التسجيلات التي تنتجها هذه الكاميرات، فإنها لا تستعمل عادة إلا أمام الضابطة القضائية أو المحكمة عند الضرورة القصوى، خاصة إذا تضمنت معطيات خاصة مثل أرقام السيارات أو سلوكيات السائقين. ومن المهم التأكيد على أن عدم استعمال هذه التسجيلات للتشهير أو النشر العلني دون مبرر قانوني يعد شرطًا أساسيًا لشرعيتها، وأي مخالفة لهذا الشرط تعرض صاحبها للمساءلة القانونية. فالقانون يعاقب على التشهير والقذف والمساس بالحياة الخاصة، وبالتالي فإن التسجيل في حد ذاته لا يعتبر مخالفة، ما دام لم ينشر علنًا أو يستخدم في غير محله بهدف المساس بالمعطيات الشخصية. هذا التمييز بين التسجيل والاستخدام يمثل حجر الزاوية في فهم الإطار القانوني لكاميرات السيارات.
وفي سياق متصل، يثار أحيانًا ادعاء بأن الكاميرا مخالفة لقانون المركبات، وهو ادعاء غير دقيق. فالمادة الرابعة من المرسوم المتعلق بتجهيز السيارات بأجهزة إلكترونية للتسلية تتعلق بالشاشات التي تشتت انتباه السائق، ولا تشمل الكاميرات التي تهدف إلى التوثيق أو المراقبة. الاستثناء الوحيد الذي قد يعد مخالفة، هو وضع الكاميرا في مكان يعيق الرؤية، مثل تثبيتها أمام المرآة الوسطى. وهذه تعتبر مسألة تتعلق بالسلامة المرورية، وليست بشرعية الكاميرا في حد ذاتها، مما يؤكد أن الإطار القانوني يركز على الجانب الوظيفي والسلامة بدلاً من حظر التكنولوجيا.
تأكيدًا على الشرعية القانونية لاستخدام كاميرات السيارات، سبق لمحكمة النقض المغربية أن أكدت على قانونية استعمال الكاميرات داخل السيارات، وذلك بشرط ألا تنتهك الحياة الخاصة للأفراد أو تخالف قوانين حماية المعطيات الشخصية. هذا الموقف القضائي يعزز من حجية التسجيلات التي توفرها هذه الكاميرات كدليل إثبات في النزاعات القضائية، ويؤكد على أن الهدف من هذه الكاميرات هو حماية الحقوق وليس انتهاكها.
وفيما يتعلق بتصوير رجل الأمن نفسه، فإن القانون لا يمنعه من الاعتراض على التصوير، طالما أنه يعمل في فضاء عام وبصفته موظفًا عموميًا أثناء أداء مهامه. فالموظف العمومي، بحكم طبيعة وظيفته، يكون تحت رقابة المواطنين، والتصوير في الأماكن العامة لا يعد انتهاكًا للحياة الخاصة ما دام لا يتضمن تشهيرًا أو قذفًا أو نشرًا غير قانوني. هذا المبدأ يرسخ الشفافية والمساءلة في أداء الوظيفة العمومية، ويمنح المواطن أداة إضافية لتوثيق أي تجاوزات قد تحدث أثناء التفاعل مع السلطات العمومية.
وبالتالي، يتضح أن حق المواطن في تثبيت كاميرا داخل سيارته بشكل ظاهر هو حق مكفول قانونًا في المغرب، طالما لا يستخدمها في انتهاك الخصوصية أو التجسس على الأفراد. وليس من حق رجل الأمن أن يطلب من السائق نزعها أو إطفاءها بدعوى أنها غير قانونية، فمثل هذا الادعاء لا يستند إلى أي أساس قانوني صحيح. بل على العكس، فإن كاميرا السيارة، كما برز جليًا في الفيديو الأخير الذي أثار النقاش بين مؤيد ومعارض، قد تكون الوسيلة الوحيدة والفعالة لحماية المواطن من التجاوزات، وكشف الممارسات غير القانونية، وبالتالي المساهمة في إرساء مبادئ العدالة والشفافية في الفضاء العام. إنها أداة تعزز من قدرة المواطن على الدفاع عن حقوقه، وتدعم جهود مكافحة الفساد، مع التأكيد الدائم على ضرورة الالتزام بالضوابط القانونية التي تضمن صون الخصوصية وعدم التشهير.