
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في الوقت الذي ترفع فيه المديريات الإقليمية للشغل شعارات براقة حول “حماية حقوق العمال” و”ضبط سوق العمل”، تتحول بعض المنشآت إلى جزر منيعة تسود فيها الفوضى بعيدًا عن أعين الرقابة. فندق الزيايدة بلاص بجماعة الزيايدة في إقليم بنسليمان ليس سوى نموذجًا صارخًا لهذا الإفلات من المحاسبة، حيث تُنتهك أبسط الضوابط القانونية تحت سمع المسؤولين وبصرهم.
فبينما يُفترض أن تكون المديرية الإقليمية للشغل في بنسليمان حارسة للقانون، تتكشف وقائع مزرية داخل هذا الفندق. عمال بعقود غير مفهومة، رواتب تُدفع نقدًا بعيدًا عن الشفافية، وحتى تشغيل أشخاص تجاوزوا السن القانوني للعمل دون أي وثائق رسمية. فكيف يُسمح بذلك في منشأة تخضع نظريًا لرقابة السلطات؟ ولماذا تكتفي المديرية بدور المتفرج بينما تُداس حقوق العمال بأقدام الاستغلال؟
المفارقة المؤلمة أن المديرية الإقليمية للشغل تتباهى بوظيفتها “التفتيشية” وتزعم أنها “تتخذ الإجراءات اللازمة عند وجود انتهاكات”، لكن الواقع يكذب هذه الادعاءات. فلو كانت الرقابة جادة، لكانت اكتشفت أن عمال “استغلالية أوزون الشاوية” باتوا تابعين لفندق الزيايدة بلاص تُدار بعقلية القرون الوسطى بتواطؤ من جماعة بنسليمان ومدير الاستغلالية الغائب، حيث يُعامَل العمال كأرقامٍ قابلة للاستنزاف، لا كبشرٍ يحميهم القانون. والأسوأ أن هذا الإهمال المتعمد يُغذي ثقافة الإفلات من العقاب، ويُرسخ رسالة خطيرة، أن بعض أرباب العمل فوق القانون، بسبب غياب الرقابة!
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة، هل يعقل أن تنتظر المديرية شكاوى العمال — الذين قد يخشون فقدان وظائفهم — لتحرك ساكنها؟ أليس التفتيش المفاجئ والمتابعة الدورية من صميم واجباتها؟ أم أن اختصاصاتها “الواسعة” تتوقف عند حدود تفتيش بعض المنشآت، بينما تُمنح أخرى — مثل فندق الزيايدة بلاص — إجازةً مفتوحةً لخرق القانون؟
الحقيقة التي لا تحتمل التأويل هي أن هذا الفندق أصبح نموذجًا للفوضى المُسيّجة بالصمت الرسمي. فإما أن المديرية الإقليمية للشغل في بنسليمان غير مدركة لانتهاكاته — وهو أمر يُنذر بإخفاق مهني فادح — أو أنها تدركها وتتجاهلها — وهو انهيار أخلاقي لا يقل خطورة. وفي الحالتين، فإن المسؤولية واضحة، على المديرية الاقليمية أن تتحرك فورًا لفرض القانون وإنصاف العمال وهذا هو المعول عليه، وإما أن تعترف بأنها مجرد ديكور بيروقراطي لا يمتلك أدنى صلاحيات للقيام بهذا العمل.
اليوم، الكرة في ملعبها. فإما أن تثبت أنها جهاز رقابي فعّال، أو أن تُضاف إلى قائمة المؤسسات التي تنتج الخطابات الرنانة بينما العمال يدفعون الثمن. ولن تختفي الانتهاكات بمجرد تجاهلها، بل ستتفاقم حتى يصبح السكوت عنها مشاركةً وورقة عبور نحو خرق القانون!
