المساطر الاستنادية…هل هي سيف العدالة أم سوط الانتقام؟

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

أتوجه بهذه المقال تحديدا الى رئيس النيابة العامة، لا بصفتي مواطناً عادياً فحسب، بل بصفتي من يرى بعين القلق والترقب مسار العدالة في بلادنا، خاصة فيما يتعلق بما بات يعرف بـ “المساطر الاستنادية”. هذه المساطر، التي يفترض فيها أن تكون أداة لترسيخ العدل وتطبيق القانون، تحولت في كثير من الأحيان إلى سيف مسلط على رقاب الأبرياء، ووسيلة للانتقام وتصفية الحسابات، مما يطرح سؤالاً جوهرياً وملحاً: من سيحمي المواطنين؟

إن مفهوم “المساطر الاستنادية”، أو “المساطر المرجعية” كما يطلق عليها أحياناً، يشير في جوهره إلى الإجراءات القانونية التي يتم فيها تقديم الأشخاص أمام النيابة العامة بناءً على تصريحات أو إفادات سابقة لأشخاص آخرين، غالباً ما يكونون متهمين في قضايا مشابهة. ورغم أن هذه المساطر قد تكون ضرورية في بعض الحالات للكشف عن شبكات إجرامية معقدة، إلا أن التطبيق العملي لها كشف عن ثغرات خطيرة تهدد مبدأ العدالة والإنصاف. ففي غياب الضمانات الكافية والتحقيقات المعمقة، تتحول هذه الإفادات إلى اتهامات كيدية، يدفع ثمنها مواطنون أبرياء.

لقد شهدنا، ولا نزال نشهد، حالات مؤسفة يتم فيها تقديم أشخاص أمام النيابة العامة بتهم خطيرة، كالاتجار في المخدرات، بناءً على وشاية أو اتهام من شخص آخر تجمعه به عداوة شخصية. وفي هذه الحالات، يصبح المواطن عرضة لسهام الانتقام، وتتحول العدالة إلى أداة لتصفية الحسابات الشخصية. فالأمر لا يقتصر على قضايا المخدرات فحسب، بل يمتد ليشمل حالات أخرى، كاتهام شخص ميسور الحال من قبل آخر بهدف الابتزاز والمساومة على تنازل، أو حتى استخدام بعض رجال الأمن لهذه المساطر للانتقام من مواطنين لأسباب شخصية أو تافهة. في كل هذه السيناريوهات، يبقى السؤال معلقاً: من سيحمي المواطن من هذه الممارسات التي تشوه صورة العدالة وتزرع بذور الشك في نفوس الناس؟

إن النتائج الوخيمة لهذه “المساطر الانتقامية” لا تقتصر على تدمير حياة الأفراد وعائلاتهم فحسب، بل تمتد لتؤثر بشكل مباشر على المنظومة القضائية برمتها. فالاكتظاظ الذي تشهده السجون المغربية، والذي أصبح ظاهرة مقلقة، يعود جزء كبير منه إلى هذه المساطر. فبدلاً من أن تكون السجون مكاناً للمجرمين الحقيقيين، أصبحت تضم أعداداً كبيرة من الأشخاص الذين تم تقديمهم بناءً على اتهامات غير مدعومة بأدلة مادية قوية، أو بناءً على وشايات كيدية. هذا الاكتظاظ لا يشكل عبئاً على ميزانية الدولة فحسب، بل يؤثر أيضاً على ظروف الاعتقال ويحد من إمكانيات الإصلاح والتأهيل، مما يزيد من تفاقم المشكلة بدلاً من حلها.

إننا ندرك تماماً حجم المسؤولية الملقاة على عاتق، رئيس النيابة العامة، في صون العدالة وحماية حقوق المواطنين. ولذلك، فإننا نلتمس منه التدخل العاجل والحازم لوضع حد لهذه الممارسات التي تسيء إلى سمعة القضاء وتزعزع ثقة المواطنين في مؤسساتهم. إن الأمر يتطلب مراجعة شاملة لآليات تطبيق “المساطر الاستنادية”، وتفعيل دور النيابة العامة في التحقق الدقيق من صحة الاتهامات قبل تقديم الأشخاص أمام العدالة بناءً على أقوال (اتهامات شفهية). يجب أن تكون الأدلة المادية هي الأساس، لا مجرد الإفادات التي قد تكون وليدة ضغوط أو دوافع انتقامية.

لأن حماية المواطن من تعسف هذه المساطر هو واجب وطني وأخلاقي. فالمواطن هو عماد المجتمع، وثقته في العدالة هي أساس استقرار الدولة وتقدمها. إننا نأمل أن تلقى هذا المقال آذاناً صاغية، وأن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أن تكون العدالة في المغرب سيفاً للحق، لا سوطاً للانتقام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!