بلجيكا : لماذا يُصر بعض السياسيين البلجيكيين على تدنيس استقلالية القضاء؟ ولمن تُخدم هذه الأجندة الخبيثة؟

الشيخ محمد التجكاني

الحسين بنلعايل – موطني نيوز 

لا يزال صليلُ العدالة يُزعجُ آذانَ أولئك الذين اعتادوا تحويل القانون إلى دُمى يحركونها بخيوط المصالح الضيقة. فبعد أن حسمت محكمة النقض، أعلى سلطة قضائية في البلاد، قضية الإمام محمد التجكاني، وأعادت له اعتباره بعد أن نُكبت حقوقُه، ها هم صبيةُ السياسة وأدعياءُ الأمن يعودون ليعبثوا بالحُكم القضائي وكأنه ورقةُ مساومة في سوق النخاسة السياسية.

ما هذا الازدراءُ الصارخُ لمبادئ الدولة القانونية؟ وأيَّ ديمقراطيةٍ هذه التي تُهدرُها أحزابٌ مثل MR وN-VA كلما تعارضت أحكامُ القضاء مع هوى خطابها العنصري؟ إنهم لا يرفضون حُكمًا قضائيًا فحسب، بل يطعنون في شرعية القضاء نفسه، ويُعيدون فتحَ ملفاتٍ أغلقتها العدالةُ بدم بارد، وكأنهم يعلنون أن “سيادة القانون” مجرد شعارٍ يُرفعُ حين يُوافقُ هواهم، ويُدفعُ تحتَ الأقدام إذا اصطدم بمصالحهم.

ولكن، لماذا؟ لأن بروكسل، بكل ما تمثله من تنوعٍ وتعايش، تُشكلُ جمرةً في حلقِ الشعبويين. فبدلًا من مواجهة إخفاقاتهم السياسية، يختلقون عدوًا وهميًا: الإسلام، المهاجرون، “الدولة الفاشلة” – تلك العبارةُ الجوفاءُ التي يُرددونها كالببغاوات بينما هم يُفقرون مؤسساتِ الدولة بإفراغها من مضمونها. إنهم يريدون عاصمةً ضعيفةً، مشلولةً، لأنها رمزٌ لبلجيكا الموحدة التي يُحاربونها في الخفاء.

والأخطرُ من ذلك هو الصمتُ المريبُ عن تمويلات بعض هؤلاء الساسة، وعلاقاتهم المشبوهة، وسفرياتهم المليونية إلى دولٍ تُديرُ أجهزتُها حملاتِ تضليلٍ ضد الأقليات في أوروبا. فلماذا لا نسمعُ صرخاتِهم عن “الأمن القومي” حين يتعلق الأمر بتحركاتهم هم؟ أين التحقيقاتُ الصحفيةُ الاستقصائيةُ حين يصبحُ الموضوعُ رحلاتِ بعض النخب السياسية إلى عواصمِ التمويل الخليجي؟

إنها مهزلةُ ازدواجيةِ المعايير! ففي الوقت الذي يُحاكمُ فيه الأئمةُ والعلماءُ بتهمة “التطرف”، يُتركُ ساسةٌ يتعاونون مع دولٍ تُروجُ للفكر الوهابي في أوروبا بحريةٍ تامة. وفي الوقت الذي يُشنُّ فيه إعلامُهم حملاتِ تشويهٍ ضد أي صوتٍ مسلمٍ مستقل، تُغضُّ أبصارُهم عن تورط صحفٍ كبرى في نشرِ أخبارٍ مدفوعةٍ من سفاراتٍ أجنبية.

إنها معركةُ كرامةٍ قبل أن تكون معركةَ قانون. فإما أن نكونَ دولةً تحترمُ مؤسساتِها، أو نتحولُ إلى ساحةٍ للمزايداتِ الرخيصة، حيث يُباعُ استقرارُ البلادِ بأبخسِ الأثمان. واليوم، في قضية التجكاني، يتجلى الخطرُ بأوضحِ صوره: أعداءُ بلجيكا الحقيقيون ليسوا في الضواحي الفقيرة، بل في قاعاتِ البرلمان الفاخرة، وفي مكاتبِ صحفٍ تتباكى على “القيم” بينما تبيعُها لمن يدفعُ أكثر.

فإلى متى سيظلُ الشعبُ البلجيكي غارقًا في غيبوبةِ الخوفِ المصطنع؟ وإلى متى ستُتركُ العدالةُ رهينةَ خطابِ كراهيةٍ يُدارُ من خلف الكواليس؟

الوقتُ حانَ لفضحِ اللعبة. فالذين يُحاربون القضاء اليوم، هم أنفسُهم مَن سيدوسون على الدستور غدًا. والذين يصرخون باسم “الأمن”، هم مَن يفتحون البابَ أمام الفوضى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!