
المصطفى الجوي – موطني نيوز
لقد بلغ السيل الزبى في إقليم بنسليمان، حيث أصبح التلاعب بالشواهد الإدارية ظاهرة مقيتة ومستشرية، تهدد مبادئ العدالة وتستنزف خزينة الدولة. إنها ممارسات باتت مكشوفة للعيان، لا تثير فقط حفيظة الساكنة، بل تستدعي تدخلاً عاجلاً وحازماً لوقف هذا النزيف الذي ينخر جسد الإدارة الترابية.
إن القضية التي فجرت غضب الرأي العام في بنسليمان، وتكشف حجم الفساد المستشري، تتعلق بإشاعة تسليم السلطات المحلية شهادة إدارية لأحد المستثمرين المغاربة، تزعم أن عقاراً معيناً هو أرض فلاحية. هذه الشهادة، التي تهدف بوضوح إلى إعفاء المتهربين من أداء الضريبة على الاراضي الغير المبنية لخزينة الدولة، لا يمكن أن تمر مرور الكرام. فالعقار المعني والذي يريد اصحابه تحويله إلى تجزئة خمسة نجوم في قلب المدينة، يعلم القاصي والداني في بنسليمان أنه ليس سوى إقامة لوزير سابق، والتي آلت ملكيتها لورثته الشرعيين. هذا العقار لم يشهد أي تغيير في مساحته أو بنيانه، فكيف له أن يتحول بين عشية وضحاها إلى أرض فلاحية؟

إن محاولة فبركة هذا الملف لإضفاء الشرعية على التحايل على القانون، هي عملية مكشوفة لا تنطلي على أحد. فزرع خمس مساحة العقار بالشعير في العام الماضي، وتكليف عون قضائي بمعاينة مجردة لإثبات الحالة قبيل موسم الحصاد لعام 2025، هي خطوات استباقية مفضوحة تهدف إلى مواجهة أي رفض محتمل من قبل السلطة والجماعة التي لا ترفض مثل هذه الشواهد ان رضخ اصحابها للامر الواقع. والأدهى من ذلك، أن الوثائق المدلى بها لدى السلطات المحلية في بنسليمان قبل خروج لجنة من بينها معاينة العون القضائي، كانت تهدف إلى إيهام الجميع بأن الأرض كانت مزروعة بالفعل، في محاولة بائسة لتبرير هذا التزوير الفاضح.
إن التحريات التي قمنا بها في موطني نيوز، وبناءً على وثائق نتوفر على نسخ منها، تؤكد أن هذا العقار، بالإضافة إلى كونه مثقلاً بالرهون، قد ورد بشأنه رد من الوكالة الحضرية لبرشيد بتاريخ 14 فبراير 2018، على طلب تقدم به السيد (م.ل) نيابة عن الورثة. هذا الرد يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن العقار المذكور، وبموجب تصميم التهيئة لبنسليمان المصادق عليه بتاريخ 3 يوليوز 2017 والمنشور بالجريدة الرسمية، مخصص لمنطقة الفيلات والعمارات R+3 & 4، بالإضافة إلى مساحة عمومية ومرفق ديني، ناهيك عن طرق ذات عروض مختلفة. فكيف يمكن لعقار بهذه المواصفات، أن يتحول بقدرة قادر إلى أرض فلاحية؟

إننا لا نوجه اتهامات لأي جهة، سواء السلطة أو الجماعة أو حتى للمستثمر المغربي رغم ان هذا من حقه، ولكن من حقنا أن نتساءل ونطالب بفتح تحقيق شامل ومعمق، حتى مع المديرية الإقليمية للفلاحة. فالتاريخ يشهد، ومنذ استفادة الوزير المرحوم برحمة الله من هذه الأرض في إطار الأراضي المسترجعة، لم يسبق لها أن كانت أرضاً فلاحية، حتى في عهد الاستعمار الفرنسي. فمن هو هذا المهندس والعالم الذي أفتى بأنها أرض فلاحية؟ وهل الوزير السابق وورثته لم يجدوا عملاً سوى امتهان الفلاحة وزراعة الشعير في مساحة لا تتعدى الهكتار؟
إننا نطالب معالي وزير الداخلية بضرورة التدخل العاجل، وإرسال قضاة المفتشية العامة لفتح تحقيق في هذه القضية وغيرها من الشواهد الإدارية التي أصبح الاتجار بها مباحاً وبدون حسيب ولا رقيب. كما ندعو السيد الوكيل العام للملك إلى الدخول على الخط وفتح تحقيق مفصل في هذه الممارسات التي أصبح فيها الفساد بنوية ومستشري بطريقة مقيتة في إقليم بنسليمان، وخاصة مدينة بنسليمان. وفي انتظار ذلك، سيكون لنا عودة لهذا الموضوع.