
المصطفى الجوي – موطني نيوز
إن المطالبة بعقوبات سالبة للحرية وطرد المتورطين من الوظيفة ليست مجرد رد فعل غاضب أو رغبة في الانتقام، بل هي ضرورة قانونية وأخلاقية لضمان الردع العام والخاص. فالردع العام يتحقق عندما يرى الجميع أن الدولة جادة في محاسبة المفسدين والمنحرفين داخل أجهزتها، وأن لا أحد فوق القانون، مما يثني الآخرين عن ارتكاب نفس الأخطاء.
أما الردع الخاص، فيتمثل في منع المتورط نفسه من العودة إلى ممارسة نفس السلوك الإجرامي، وحماية المجتمع من شره. إن الاكتفاء بعقوبات إدارية بسيطة أو نقل تأديبي هو بمثابة تشجيع غير مباشر على استمرار الفساد والتسيب، ورسالة سلبية للمواطنين الشرفاء بأن تضحياتهم ومخاطرهم لا قيمة لها في نظر الدولة. يجب أن تكون الرسالة واضحة وقوية: كل من يثبت تورطه في خيانة الأمانة وتعريض المبلغين للخطر سيدفع ثمناً باهظاً، ليس فقط بفقدان وظيفته ومصدر رزقه، بل أيضاً بحريته وكرامته.
إن تطبيق القانون بحزم ونزاهة على الجميع، دون تمييز أو محاباة، هو السبيل الوحيد لاستعادة هيبة الدولة وبناء ثقة المواطن. ولا يمكن أن نغفل الدور المحوري الذي يجب أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة في هذه المعركة. فهذه المؤسسات هي صوت المواطن ورقيبه على أداء السلطة.
كما يجب عليها أن تتبنى قضية حماية المبلغين، وأن تسلط الضوء على معاناتهم، وأن تفضح الممارسات الخاطئة والتجاوزات، وأن تضغط بكل الوسائل السلمية والقانونية المتاحة من أجل إقرار إصلاحات حقيقية وفعالة.
وبالتالي فإن تنظيم حملات التوعية، وتقديم الدعم القانوني والنفسي للمبلغين، ورصد حالات الانتهاك، والمطالبة بتشريعات أكثر صرامة وآليات حماية أكثر فعالية، كلها أدوار حيوية يمكن للمجتمع المدني والإعلام الحر أن يقوما بها.
إن المعركة ضد الفساد وغياب الحماية ليست معركة الدولة وحدها، بل هي معركة المجتمع بأسره، وتتطلب تضافر جهود الجميع، كل من موقعه. إن الصمت والتواطؤ السلبي هو مشاركة في الجريمة، والوقوف موقف المتفرج هو خذلان للوطن وللأجيال القادمة. يجب أن نكسر جدار الصمت والخوف، وأن نطالب بحقنا في العيش في وطن آمن وعادل، وطن يحمي شرفاءه ويحاسب مفسديه.
مرة أخرى، نعود لنؤكد أن قضية حماية المبلغين في المغرب ليست مجرد إشكالية قانونية أو إدارية، بل هي قضية وجودية تمس صميم علاقة المواطن بالدولة، ومستقبل الأمن والعدالة في البلاد.
إن الأسئلة المريرة التي يطرحها المواطن حول سبب غياب الحماية، وحول سلوكيات بعض رجال الأمن، وحول مصير من يجرؤ على كشف الحقيقة، هي أسئلة مشروعة وتستحق إجابات واضحة وأفعالاً ملموسة، لا مجرد وعود أو تبريرات واهية. إن استمرار الوضع الحالي هو بمثابة نزيف مستمر في جسد الوطن، نزيف للثقة، ونزيف للأمان، ونزيف للعدالة.
ولا يمكن وقف هذا النزيف إلا بإرادة سياسية حازمة، وقرارات أمنية وقضائية صارمة، وتغيير جذري في الثقافة والممارسة. إن الكرة الآن في ملعب المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة السياسية للبلاد. فإما أن نختار طريق الإصلاح الحقيقي، ونبني دولة قوية تحمي أبناءها الشرفاء وتضرب بيد من حديد على المفسدين، وإما أن نستسلم للواقع المرير، ونترك الوطن يغرق في مستنقع الخوف والفساد والجريمة. إن الخيار واضح، والمسؤولية تاريخية، والأمل معقود على أن يتم اتخاذ القرار الصحيح قبل فوات الأوان. إن أمن المغرب ومستقبله على المحك، ولا وقت للتردد أو التهاون. فهل من مجيب؟