
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في الوقت الذي كان يُفترض أن تكون فيه جماعة بنسليمان نموذجًا للتنمية المحلية والتسيير الرشيد، باتت اليوم تُعرف على الصعيد الوطني لأسباب بعيدة كل البعد عن طموحات الساكنة وتطلعاتها. فبدلاً من أن تتصدر عناوين الأخبار بمشاريع تنموية أو بجهود رئيسها وأعضائها لاستقطاب الموارد المالية من السلطات المركزية للنهوض بالمدينة، تحولت بلدية “أهل الكهف” إلى مسرح للمناورات والدسائس، ووجهة دائمة لتحقيقات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والمفتشية العامة لوزارة الداخلية التي تُلاحق ملفات فساد متتالية.
لم تكن الأضواء التي سُلطت على هذه الجماعة وليدة الصدفة، فقد بات مثول رئيس الجماعة وبعض مستشاريها أمام الفرقة الوطنية أمرًا مألوفًا، على خلفية تهم تتعلق بالفساد وتبديد المال العام وما الى ذلك من الاختلالات. وكان آخر فصول هذه المسلسل القضائي قرار منع رئيس الجماعة من مغادرة أرض الوطن، وسحب جواز سفره، في خطوة أثارت الكثير من الجدل حول مصير التسيير المحلي في هذه الجماعة التي تتخبط في أزمات متلاحقة. لكن، وبدل أن يكون هذا القرار بمثابة جرس إنذار لإعادة تقييم الممارسات وتصحيح المسار، يبدو أن الدروس لم تُستخلص، وأن ضمير المسؤولين بهذه الجماعة لم يستفق بعد.
فوفقًا لمعلومات حصلنا عليها من مصادر موثوقة، فإن مناورات جديدة تُحاك في الخفاء هذه الأيام داخل أروقة الجماعة “أهل الكهف”، تستهدف هذه المرة موظفًا رفض الخضوع لضغوطات الرئيس وأتباعه. هذا الموظف، الذي يُوصف بأنه من بين الموظفين الدين حافظوا على نزاهتهم وسط فوضى التسيير، أصبح هدفًا لدسائس تهدف إلى الإطاحة به، في محاولة لتأديبه أو لإسكات صوته الرافض للممارسات غير القانونية والانتقام منه. وتشير المعلومات إلى أن خطة إعفائه من مهامه تُعد الآن في الكواليس، بانتظار التأشير الرسمي على القرار الذي قد يُشكل سابقة خطيرة في استهداف الموظفين الشرفاء.
هذه التطورات تطرح تساؤلات كبرى حول طبيعة العلاقات داخل الجماعة، ومدى استمرار منطق الزبونية والمحسوبية في التحكم بمفاصل التسيير المحلي. ففي الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه الجماعة فضاءً لخدمة المواطنين وتحقيق مصالحهم، تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات وفرض الهيمنة، بعيدًا عن أي اعتبار للقانون أو المصلحة العامة. وإذا كانت التحقيقات القضائية لم تُثمر بعد عن تغيير حقيقي في سلوك المسؤولين ولازال الوكيل العام للملك لم يعطي تعليماته بعد، فإن استهداف الموظفين الرافضين للانخراط في هذا النظام قد يُفاقم من حالة الاحتقان ويُعمق أزمة الثقة بين الساكنة وممثليها.
في انتظار ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، ومع متابعة دقيقة لتفاصيل هذا الملف، تبقى عودتنا للموضوع مرهونة بما سيسفر عنه قرار الإعفاء المرتقب. لكن ما هو مؤكد اليوم، أن جماعة “أهل الكهف” بنسليمان تُعاني من أزمة أعمق من مجرد اختلالات مالية أو إدارية؛ إنها أزمة أخلاقية تهدد بتقويض أي أمل في إصلاح حقيقي رغم مرور عشرة سنوات من تولي هذا الرئيس للشأن المحلي بمدينة السيبة، ما لم تتدخل السلطات المركزية بحزم لوقف هذا العبث. فهل ستظل الجماعة رهينة للمناورات والدسائس، أم أن هناك بارقة أمل لاستعادة مسارها الطبيعي؟ الإجابة مرهونة بما ستحمله الأيام القادمة.