
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في ظل التطورات القانونية والسياسية التي يشهدها المغرب، تبرز قضية “التلبس المخلوق” كواحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل، خاصة في ظل غياب نص قانوني واضح ينظمها. فما هو التلبس المخلوق؟ وما هي تداعياته على النظام القضائي وحقوق المواطنين؟ وكيف يمكن التعامل مع هذه الظاهرة التي باتت تُستخدم كأداة للتصفية السياسية أو الشخصية؟
التلبس، في مفهومه القانوني التقليدي، هو حالة يُضبط فيها الشخص متلبسًا بارتكاب جريمة ما، مما يسمح للسلطات بالتدخل الفوري دون الحاجة إلى إذن قضائي مسبق. إلا أن التلبس المخلوق يختلف جذريًا عن هذا المفهوم، إذ يتم “تصنيع” حالة التلبس بشكل مفتعل، غالبًا بغرض الإيقاع بشخص معين أو تحقيق أهداف سياسية أو شخصية. وهذا ما حدث مع السيد سعيد الزيدي، النائب البرلماني السابق ورئيس جماعة شراط في إقليم بنسليمان، الذي أصبح ضحية لهذه الممارسة المشبوهة.
ففي حالة السيد سعيد الزيدي، تمت عملية “خلق” التلبس من خلال وضع مبلغ مالي في كيس كرتوني، ثم الإبلاغ عن ذلك للجهات المعنية، ليتم ضبطه “متلبسًا” بالجريمة المزعومة. وقد أدين السيد سعيد الزيدي وحُكم عليه بسنة حبسًا نافذًا، ليودع بعدها سجن عكاشة. الخطير في الأمر أن قرار الإحالة الصادر عن قاضي التحقيق أشار صراحة إلى أن العملية تمت بعد “التنسيق” مع الجهات المعنية، وأنها كانت تهدف إلى “وضع فخ” لضبط الزيدي متلبسًا. وهذا يطرح تساؤلات كبيرة حول مدى شرعية هذه الممارسات، ومدى توافقها مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
والأمر لا يقتصر على حالة السيد سعيد الزيدي فقط، بل إن ظاهرة التلبس المخلوق انتشرت بشكل لافت في المغرب، خاصة في الفترات التي تسبق الاستحقاقات الانتخابية. فباتت هذه الظاهرة أداة فعالة في يد بعض الأطراف للإطاحة بالخصوم السياسيين أو الشخصيين، دون الحاجة إلى أدلة قوية أو إجراءات قانونية واضحة. وهذا ما يجعلها تشكل خطرًا حقيقيًا على استقلالية القضاء ونزاهة العملية السياسية وحتى على حرية وكرامة المواطن.
ومن المثير للانتباه أن المغرب، الذي يستمد الكثير من قوانينه من النظام القانوني الفرنسي، يمارس هذه الظاهرة التي لم يسبق لفرنسا نفسها أن لجأت إليها. بل على العكس، فقد أدانت فرنسا في السابق ضباطًا قاموا بخلق حالات تلبس مفتعلة، مما يعكس الفجوة بين الممارسات القضائية في المغرب وتلك السائدة في الدول التي يُفترض أن تكون نموذجًا له.
والأخطر من ذلك أن التلبس المخلوق في المغرب يأخذ شكلين: الأول “دهني”، يتم تضمينه في محاضر الشرطة القضائية دون أن يكون له وجود فعلي على أرض الواقع، والثاني “فعلي”، يتم تصنيعه بشكل ميداني من خلال وضع الشخص في موقف يُظهره وكأنه متلبس بجريمة ما، أو كطريدة يتبعها القناص. وفي كلتا الحالتين، تكون النتيجة واحدة، انتهاك حقوق المواطن وتجاوز المبادئ الأساسية للعدالة و الحرية.
وهذا ما دفع وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، إلى التطرق لهذه القضية خلال مناقشته لقانون المسطرة الجنائية. فقد حذر من خطورة هذه الظاهرة ودعا إلى ضرورة وضع ضوابط قانونية صارمة لمنع استغلالها لأغراض شخصية أو سياسية. إلا أن هذه الدعوة تبقى غير كافية في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذه الإشكالية، لأن المشرع المغربي لا يصنع القوانين بل هو تابع لعهود الحماية ويردد قوانينها.
فما العمل إذن عندما تكون لدينا حالة تلبس، خاصة إذا كانت مخلوقة؟ هل نعرض المسطرة على السلطة القضائية؟ وهل يمكن للقضاء أن يكون حياديًا في ظل هذه الممارسات؟
في الواقع، فإن التعامل مع حالات التلبس المخلوق يتطلب إصلاحات عميقة على مستويات عدة. أولاً، يجب أن يتم تنظيم حالة التلبس بشكل واضح في القانون، بحيث يتم تحديد شروطها وإجراءاتها بدقة، مع فرض عقوبات صارمة على من يثبت تورطه في خلق تلبس مفتعل. ثانيًا، يجب تعزيز استقلالية القضاء وضمان نزاهته، بحيث يكون قادرًا على محاسبة كل من يتورط في مثل هذه الممارسات، بغض النظر عن منصبه أو نفوذه. ثالثًا، يجب تعزيز آليات الرقابة على عمل الشرطة القضائية والجهات المعنية بضبط الجرائم، بحيث يتم ضمان شفافية الإجراءات وعدم استغلالها لأغراض شخصية أو سياسية.
كما أن دور المجتمع المدني والإعلام يبقى أساسيًا في كشف هذه الممارسات والضغط من أجل إصلاحها. فبدون وجود رقابة شعبية وإعلامية قوية، ستستمر هذه الظاهرة في التفشي، مما يهدد استقرار البلاد وثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
وبالتالي، فإن قضية التلبس المخلوق ليست مجرد قضية قانونية، بل هي قضية أخلاقية وسياسية بامتياز. فهي تعكس مدى هشاشة النظام القضائي في المغرب، ومدى سهولة استغلاله لتحقيق أهداف شخصية أو سياسية. ولذلك، فإن معالجتها تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات جذرية تعيد الثقة في العدالة وتضمن حقوق المواطنين. فبدون ذلك، سنظل نشهد حالات مثل حالة السيد سعيد الزيدي الذي كان ضحية التلبس المخلوق تمت ادانته دون توفر تسجيل صوتي أو مرأي يدينه، والتي تذكرنا بأننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق دولة القانون التي ننشدها.