المصطفى الجوي – موطني نيوز
ألم تسأل نفسك يوماً من هي المؤتفكة التي ذُكرت في القرآن؟ ولماذا وصفها الله سبحانه وتعالى بالسوء والفجور؟ وما الذي فعلته حتى أرسل الله عليها جيشاً كبيراً من الملائكة بقيادة سيدنا جبريل لينزل عليها عذاباً لم تشهده الأرض من قبل؟، وما السر العظيم بينها وبين ما يحدث في وقتنا الحاضر؟.
لمعرفة أصل القصة إسترح وتابع معي بإمعان لتعرف قصة المؤتفكة من الألف إلى الياء. في البداية علينا أن نعود بالزمن إلى الوراء كثيراً جدا، وركزوا في كل حرف سأكتبه لعل في ذلك حكمة. سنعود بالتحديد إلى عصر سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما وقف أهل بابل في العراق بقيادة النمرود أمامه وألقوه في النار ونجاه الله منها.
لم يؤمن مع سيدنا إبراهيم أنداك إلا شخص واحد هو لوط بن هاران بن آزر، الذي كان سيدنا إبراهيم عمه. وعندما توفي والد سيدنا لوط تربى في بيت عمه سيدنا إبراهيم. وعندما قرر سيدنا إبراهيم الهجرة وترك العراق هاجر معه سيدنا لوط، واختار الله سبحانه وتعالى سيدنا لوطاً للرسالة وأرسله إلى قرية كبيرة جداً تُسمى سدوم. التي تقع قديما حسب الدراسات الأثرية على الجانب الجنوبي الشرقي من البحر الميت في منطقة وادي عربة، في الأردن حالياً. ويعتقد العلماء أن أطلالها مدفونة تحت المياه في الجزء الجنوبي من البحر الميت.
كان أهل القرية فاجرين وعدد سكانها كبير جداً. وما إن وصل سيدنا لوط إلى هذه القرية حتى تعجب من سوء أهلها وفحشهم، فقد كانوا أكفر الناس وأفجرهم على وجه الأرض. لم تكن هناك معصية إلا وارتكبوها، فكانوا يعبدون الأصنام ويقطعون الطرق ويسرقون الناس ويشربون الخمر.
وكانت أكبر مصيبة أنهم ارتكبوا فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين وهي إتيان الرجال شهوة من دون النساء. وقيل أسوأ من ذلك أنهم كانوا يفعلون ذلك مع الدواب والمواشي والحيوانات – والعياذ بالله. وكانوا يفعلون كل ذلك نهاراً جهاراً في شوارعهم وأمام أعين الناس جميعاً وأمام نسائهم دون خوف أو حياء من أحد.
حتى وصلوا إلى مرحلة استغنى فيها الرجال بالرجال عن النساء، واستغنت النساء بالنساء عن الرجال، وغيروا خلق الله. وقد بيّن الله سبحانه وتعالى للجميع في كتابه العزيز حين قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم “ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين، إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين”.
واستقر سيدنا لوط في وسط تلك البلدة يدعو أهلها لعل أحداً يستجيب طاعةً لأمر الله. وبالطبع كان على سيدنا لوط أن يكون منهم حتى يستمعوا إليه عندما يتكلم، ولذلك تزوج منهم امرأة اسمها واله، وعاش بينهم ورزقه الله منها بابنتين.
وبدأ سيدنا لوط يدعوهم إلى الله وحده لا شريك له، وأن ما يفعلونه جزاؤه عظيم عند الله، وأن لا أحد سينجو من عقاب الله، وكان يحذرهم من عذاب الله. فما كان من قومه إلا أن جادلوه وأكثروا من جداله وقالوا له : إن كان لديك عذاب من ربك كما تقول فأرسل لنا العذاب إن كنت من الصادقين.
ومن شدة فجورهم وإحساسهم بأن سيدنا لوطاً قد أتعبهم منذ أن جاء وسكن بينهم منذ سنوات، وبالرغم من ذلك لم ييأس سيدنا لوط واستمر في دعوته وتحذيره لهم سنين، ولكن دون فائدة. حتى قال له قومه : “يا لوط، لقد مضت سنوات وأنت تقول لنا ما تقول، ألم تمل؟ أخبرنا ماذا ستستفيد من كل ما تقوله؟”
فقال لهم : “أنا نبي الله عز وجل، جئتكم بأمر من الله أن ينزل عليكم عقاباً، وما أبتغي وراء ذلك أجراً من أحد، إن أجري إلا على الله، فاتقوا الله وأطيعون”. فقالوا له : “نحن هكذا ونحب أن نكون هكذا، ولن يغيرنا أحد في الكون”.
قالوا له : “يا لوط، نحن نعلم أنك اشتريت أرضاً واخترتها لتكون على أطراف البلد، وعلمنا أيضاً أنك فعلت ذلك لتحذر أي غريب من الدخول إلى بلدتنا. فاعلم من اليوم أن أي شخص يأتي إليك لا بد أن تسلمه لنا، وإن علمنا أنك تركت أحداً يمضي ولم تُحضره إلينا في البلد، فلن يكون لك خير يا لوط”.
وهددوه لأنه لم يكن له أقارب في بلدهم، وقالوا له إن لم تسكت عن كل ما تقوله لنا سنطردك من بلدنا، كما يقول القرآن الكريم : “أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون”. فأصبحت الطهارة منكراً يستحق فاعله الإخراج من البلد والطرد، وأصبح الصواب خطأً والجميع يُجمع عليه، والخطأ أصبح صواباً والجميع يؤيده ويوافق عليه.
فلما يئس منهم سيدنا لوط أن يؤمنوا ويتوبوا ويرجعوا إلى الله، ولم يؤمن به إلا أهل بيته – وليس كلهم بل ابنتاه فقط، أما زوجته فكانت كافرة مع الكافرين – وقف سيدنا لوط ورفع يديه إلى السماء يدعو عليهم بالهلاك والعذاب وأن ينجيه الله هو وأهله.
فاستجاب الله لدعوة نبيه، ولكن لم يرسل إليهم جميعاً بل أرسل ثلاثة من الملائكة. وكما قال المفسرون، إن الله سبحانه وتعالى أرسل سيدنا جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام. وحين نزلت الملائكة مروا أولاً على القرية التي فيها سيدنا إبراهيم ليبشروه بسيدنا إسحاق.
وحين دخلوا على سيدنا إبراهيم كانت لهم هيبة عظيمة، فأحضر لهم سيدنا إبراهيم على الفور عجلاً سميناً وذبحه لهم ووضعه أمامهم ليأكلوا. وحين وُضع الطعام أمامهم وجدهم غير مهيئين للأكل فخاف منهم. فطمأنوه قائلين : “نحن ملائكة من الله أُرسلنا إلى قوم لوط وسننزل بهم عذاباً لم تره الأرض بأمر الله”.
فخاف سيدنا إبراهيم خوفاً شديداً على سيدنا لوط وجادل الملائكة من شدة خوفه عليه وقال لهم : “أتهلكون قرية وفيها مؤمن واحد؟” قالوا : “لا”. قال لهم : “إن فيها لوطاً”. فردوا عليه قائلين : “يا إبراهيم نحن أعلم بمن فيها، أعرض عن هذا”. وطمأنته الملائكة وقالوا له إن الله سينجي لوطاً وأهله من العذاب إلا امرأته فقد حق عليها عذاب الله مع القوم الكافرين، فهي مع من أحبتهم. وبشروا سيدنا إبراهيم بسيدنا إسحاق وسلموا عليه ومضوا لتبدأ ليلة لم تشهدها الأرض من قبل.
توجهت الملائكة إلى قرية سدوم ووصلوا تحديداً وقت الغروب، وكانوا في صورة بشر، وليس أي بشر بل في صورة لم يُر أجمل منهم أبداً. وكانت ابنة سيدنا لوط تسقي في أرض والدها على أطراف المدينة، فسألوها : “هل من بيت يضيفنا؟” فلما رأت هيئتهم ومنظرهم الجميل خافت عليهم كثيراً مما قد يفعله بهم أهل البلد الفجرة، فقالت لهم : “أرجوكم قفوا مكانكم ولا تدخلوا القرية، سأذهب لأخبر أبي عنكم”. وجرت إلى بيتها قائلة : “يا أبتِ، ينتظرك عند الأبواب رجال لم أر في حسنهم أحداً قط”.
فأسرع سيدنا لوط – الذي كان لا يحب أن يرى الفاحشة ويقول ما شأني بها – إليهم، وبمجرد أن رآهم ورأى هيئتهم سألهم : “من أنتم ولماذا أتيتم إلى هنا؟” فقالوا له : “نحن عابرو سبيل، هل يمكنك أن تضيفنا الليلة؟” فتحرك سيدنا لوط ليلبي طلبهم وفي نفس الوقت خاف إن لم يضفهم أن يطلبوا من أحد آخر من أهل الفساد، وهو يعلم ويتأكد مما سيحدث لهم. لكنه حاول بكل الطرق أن يجعلهم يرحلون ولا يدخلون هذه القرية وقال لهم وهو يمشي معهم : “والله يا هؤلاء لا أعلم بلداً على وجه الأرض أخبث من هؤلاء” وكررها أربع مرات : “لا تدخلوا، هؤلاء قوم لا يُعاشرون”. لكن دون فائدة، وكانوا يستمعون وهم صامتون.
ودخل بهم ليلاً وهم متجهون إلى القرية، فأخذهم سيدنا لوط مباشرة وهو يلتف حول منزله وأدخلهم القرية والمنزل خلسة خوفاً من أن يراهم أحد. وقيل إنه حتى دخولهم البيت لم يرهم أحد من أهل القرية فعلاً. ويصف القرآن الكريم حال سيدنا لوط على لسانه قائلا : “هذا يوم عصيب” من شدة ما كان يفكر فيه. فأهل البلد الفجرة قالوا له إن أحضرت أحداً فلا بد أن تسلمه لنا، وهم يريدون الدخول ولا يريدون الرحيل، ولا يمكنه تركهم لأنه يعرف ما سيجري لهم.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه : “ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب”. وأضافهم سيدنا لوط في بيته وقدم لهم الطعام، وما إن رأتهم زوجته حتى خرجت مسرعة إلى الناس وقالت لهم : “إن لوطاً قد استضاف في بيته ثلاثة من الرجال لم أر أجمل منهم في حياتي”.
وما إن سمع أهل البلد هذا الكلام حتى فرحوا فرحة عظيمة وأخذوا يجرون – كما يقول المفسرون – نحو بيت سيدنا لوط كالسكارى، وكادوا يكسرون الباب من شدة طرقه. ففزع سيدنا لوط وأحس أن أهل البلد علموا بالضيوف، خاصة حين رأى أن زوجته ليست في البيت، فخرج إليهم مسرعاً وأغلق الباب خلفه.
فقالوا له غاضبين : “ألم نحذرك من استضافة أي رجل في بيتك يا لوط وأن تسلمنا أي شخص يأتي إليك؟” فرد عليهم قائلاً : “يا قوم إن هؤلاء ضيوفي فلا تفضحوني معهم واتقوا الله ولا تخزوني في ضيوفي، يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم” في إشارة منه إلى أن الزواج بالنساء هو الطهارة بعينها.
قالوا له : “يا لوط أنت تعرف ما نريد، أخرج لنا من عندك وإلا دخلنا وأخرجناهم غصباً عنك”. وهنا تحسر سيدنا لوط أنه لا يملك قوة تحميه من هؤلاء الجبابرة. يقول الله سبحانه وتعالى : “قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد”. وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : “رحم الله أخي لوطاً فقد كان يأوي إلى ركن شديد” أي يا من تدعو الله، هو أصلاً معك قبل أن تدعوه.
الملائكة الذين كانوا في الداخل والله سبحانه وتعالى شاهد ومطلع، وأنت يا سيدنا لوط تقول لو كان معك ركن شديد الآن والله سبحانه وتعالى سبقك بالاستجابة يا لوط. ودخل سيدنا لوط إلى بيته لا يدري ماذا سيقول لضيوفه وكيف يخرجهم، لكن العجيب أنه حين دخل بيته وجد ضيوفه الذين سمعوا كل الحوار الخارجي والصراخ والصياح هادئين جداً ومبتسمين.
وقالوا له : “لا تخف إنا رسل ربك لن يصلوا إلينا، وإن هؤلاء القوم قد حق عليهم عذاب ربك، وإنا منجوك وأهلك إلا امرأتك فإنها مع القوم الكافرين الهالكين، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟”
ولما تأخر سيدنا لوط وأراد أهل البلد دخول المنزل بالقوة، قيل خرج إليهم سيدنا جبريل عليه السلام وضرب الواقفين أمام الباب بطرف جناحه فأصابهم العمى، فرجعوا إلى بيوتهم يتلمسون الجدران لا يعرفون الطريق. وبدأ الجميع في البلد يقولون : “لوط ساحر، لوط ساحر” وبدأ الكل يهدد قائلين : “في الصبح سننتقم من لوط ومن معه”.
فأمرت الملائكة سيدنا لوطاً أن يخرج هو وابنتاه المؤمنتان من القرية ليلاً وأن يترك زوجته ولا يهتم بها، وقالوا له : “لا يلتفت منكم أحد ولا تنظروا إلى العذاب الذي سيحل بسدوم وأهلها فإن العذاب سيكون في الصباح”. فخرج سيدنا لوط وابنتاه.
وفي الصباح رفع سيدنا جبريل قرى قوم لوط بطرف جناحه من على الأرض، وقيل إنها كانت سبع قرى في كل قرية مائة ألف إنسان، ورفعهم بطرف جناحه حتى السماء. يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم : “فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد”.
حتى قيل إن أهل السماء سمعوا أصواتهم ونباح كلابهم وحيواناتهم أثناء حلول العذاب بهم. ورماهم سيدنا جبريل من أعلى إلى الأرض وأمطر الله عليهم حجارة من سجيل، كل حجر نازل مكتوب عليه اسم صاحبه. “والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى”، والمؤتفكة هي الأمم التي كذبت بالرسل ومن ضمنهم سدوم قوم لوط، أي أهواها وأسقطها من السماء، فجعل عاليها سافلها وانتهت سدوم وتحولت تراباً.
يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به”. جعل الله هذا العذاب عقوبة لكل من يفعل مثل فعلهم. ولا تقل إنه لا يحدث شيء وأين العذاب ونحن نرى بأعيننا ما يحدث الآن. لا تسأل هذا السؤال لأنك بالتأكيد تعرف الإجابة. لا تستعجل عقاب الله ولكن كن واثقاً ومتأكداً أنه قادم.
ها هو رئيس أكبر دولة في العالم يقول إنه فخور بأنه أول من سمح بزواج المثليين، وكل من يدعي أن هذا مرض أو حالة إنسانية أو حرية شخصية، ها قد رأيت رد الله على كل من يريد أن يفتي في هذا الأمر، وليس بعد كلام الله كلام.
فاحذر من الحرب الشرسة الآن على أولادنا وإخواننا، واحذر من الرسوم المتحركة التي يشاهدونها الآن وما فيها من رسائل خطيرة أصبحنا نسمعها ونراها بأعيننا. احذر من الهاتف المحمول الذي أصبح في أيديهم ليل نهار. علينا أن نعود لحفظ القرآن ونعلمه أولادنا، علينا أن نعود جميعاً إلى الله، علينا أن نعود للصلاة في المساجد. علينا أن ندخل هذه الحرب وننتصر، وبإذن الله وحده معنا أمام من هم للشيطان أنصار، وبإذن الله تكون نهايتهم جميعاً كنهاية سدوم ويكون مصيرهم المحتوم في النار.