المصطفى الجوي – موطني نيوز
بين أحضان التاريخ وتحديات الحاضر، تقف مدينة بنسليمان اليوم شاهدة على تحول مؤلم يثير في النفس مشاعر الحسرة والأسى. تلك المدينة التي كانت تُعرف بـ”إفران الشاوية” و”المدينة الخضراء”، باتت اليوم تئن تحت وطأة الفوضى والإهمال، في مشهد يكاد لا يصدقه من عرفها في سالف عهدها.
في كل زاوية من زوايا هذه المدينة العريقة، تطالعنا صور التدهور والتراجع. فشارع الحسن الثاني، ذلك الشريان النابض الذي كان يوماً رمزاً لأناقة المدينة وتنظيمها، تحول إلى سوق عشوائي مفتوح تغيب عنه أبسط معايير التنظيم والنظافة. الباعة المتجولون يفترشون أرصفته وحتى الإسفلت، والبضائع تتناثر في كل اتجاه، في مشهد يعكس حالة من الفوضى العارمة التي تضرب بكل القوانين والتنظيمات عرض الحائط.
ولا يقف الأمر عند حدود الأسواق العشوائية، بل يمتد ليشمل قطاع النقل والمواصلات. فالمحطات الطرقية تنتشر بشكل عشوائي في كل أرجاء المدينة، وسيارات الأجرة تحتل كل مساحة متاحة، دون أدنى اعتبار للتنظيم المروري أو راحة المواطنين. وكأن المدينة تحولت إلى ساحة مفتوحة للفوضى، يسودها منطق القوة والغلبة، بعيداً عن كل ما يمت للتنظيم والقانون بصلة.
وفي مشهد يثير الدهشة والاستغراب، برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة تتمثل في انتشار ورش إصلاح الشاحنات الكبيرة في قلب المدينة. هذه الورش التي لا تتورع عن مزاولة نشاطها حتى أمام المؤسسات الرسمية كمديرية الضرائب والملحقات الإدارية، في تحدٍ صارخ لهيبة الدولة ومؤسساتها.
والمؤلم في الأمر أن هذا التدهور لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة لتراكمات عديدة وأسباب متشابكة. فغياب الحكامة الجيدة وضعف التخطيط الاستراتيجي، إلى جانب تضارب المصالح وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، كلها عوامل ساهمت في وصول المدينة إلى ما هي عليه اليوم.
ولعل ما يزيد الطين بلة هو حالة السلبية واللامبالاة التي تسود المجتمع. فالمواطن الذي من المفترض أن يكون حارساً أميناً على مصلحة مدينته، تحول في كثير من الأحيان إلى شريك في تدميرها، إما بالمشاركة المباشرة في خرق القوانين، أو بالصمت والسلبية تجاه ما يجري.
هذا الوضع المزري انعكس بشكل مباشر على جودة الحياة في المدينة. فالمساحات الخضراء تتقلص يوماً بعد يوم، والمشهد الحضري يتشوه بفعل الفوضى والعشوائية، والهوية التاريخية للمدينة تتآكل بشكل مطرد. كما أن هذا الوضع أدى إلى نفور المستثمرين وتراجع فرص التنمية الاقتصادية، في حلقة مفرغة من التدهور المستمر.
ولكن، رغم قتامة المشهد، تبقى الفرصة سانحة للنهوض من جديد. فمدينة بنسليمان تمتلك من المقومات والإمكانات ما يؤهلها لاستعادة مكانتها وبريقها. لكن هذا يتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين، من مؤسسات عمومية ومجتمع مدني ومواطنين، للعمل معاً من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
المطلوب اليوم هو رؤية جديدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، تحافظ على الهوية التاريخية للمدينة مع مواكبة متطلبات العصر. رؤية تقوم على تفعيل آليات الحكامة الجيدة، وتعزيز الشفافية والمحاسبة، وتطوير البنية التحتية، وإعادة تنظيم القطاعات الحيوية كالنقل والتجارة.
كما أن النهوض بالمدينة يتطلب إعادة الاعتبار للعمل المدني وتعزيز قيم المواطنة. فلا يمكن لأي جهود رسمية أن تنجح دون مشاركة فعالة من المواطنين، ودون وعي عميق بأهمية احترام القانون والحفاظ على المصلحة العامة يزكيه مسؤول نزيه وصارم.
إن مستقبل بنسليمان ليس قدراً محتوماً، بل هو نتيجة لقراراتنا وأفعالنا اليوم. وإذا كانت المدينة قد وصلت إلى ما هي عليه بفعل تراكمات سنوات من الإهمال والفوضى، فإن الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب صبراً وعملاً دؤوباً وإرادة حقيقية للتغيير.
فلنعمل معاً من أجل استعادة “إفران الشاوية” التي نحلم بها، مدينة خضراء منظمة مزدهرة، تليق بتاريخها العريق وبطموحات أبنائها. فالمدينة التي عرفت يوماً كيف تكون منارة للجمال والتنظيم، قادرة بسواعد أبنائها المخلصين أقول المخلصين وليس الوصوليين والانتهازين على استعادة تألقها من جديد. وما ذلك على أصحاب الإرادة الحقيقية بعزيز.
وفي انتظار ذلك وأختم بالقول : “وإت عدوا فوضى وتسيب مدينة بنسليمان لا تحصوها”.