جذور الانقسام و القصة الحقيقية وراء نشأة مصطلحي الشيعة والسنة

المصطفى الجوي

المصطفى الجوي – موطني نيوز

يعد الانقسام بين الشيعة والسنة من أكثر الموضوعات تعقيدًا وأهمية في التاريخ الإسلامي. لفهم هذا الانقسام بعمق، لا بد من النظر في مجموعة من الأحداث التاريخية التي ساهمت في تشكله وتطوره عبر القرون. دعونا نستعرض القصة بشكل مسترسل وممتع.

كلمة “شيعة” في اللغة العربية تعني “الأتباع” أو “الأنصار”. تاريخيًا، استخدمت هذه الكلمة لوصف أتباع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصهره. في المقابل، تعني كلمة “سنة” “الطريقة” أو “العادة”، وتشير إلى التزام المسلمين بنهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة.

بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عام 632 ميلادية، ظهرت تساؤلات حول من يجب أن يخلفه في قيادة الأمة الإسلامية. هذا الخلاف لم يكن فقط مسألة سياسية بل امتد ليشمل الجوانب الاجتماعية والدينية.

ففي الخلافة الأولى، عقب وفاة النبي، اجتمع بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة، وانتهى الاجتماع ببيعة أبي بكر الصديق كخليفة أول. لكن بعض المسلمين، بما في ذلك علي بن أبي طالب وأتباعه، رأوا أن الخلافة يجب أن تكون من نصيب علي باعتباره الأقرب للنبي من حيث النسب والدعم.

أما الخلافات المتتابعة، فخلال خلافة عثمان بن عفان، تزايدت الخلافات بسبب سياسات التعيينات والمحاباة، مما أدى إلى اغتياله عام 656 ميلادية. تولى علي الخلافة بعد عثمان، لكنه واجه معارضة من بعض الصحابة، مما أدى إلى معارك كبيرة مثل معركة الجمل ومعركة صفين.

وللحديث عن الأحداث المفصلية وتحليلها ننطلق من  معركة الجمل (656 م).حيث اندلعت هذه المعركة بسبب النزاع حول القصاص لعثمان. تقابلت قوات علي بن أبي طالب مع قوات طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة بنت أبي بكر. انتهت المعركة بانتصار علي، لكن بتكلفة كبيرة من حيث الخسائر البشرية وتعميق الفجوة بين المسلمين.

تلتها معركة صفين (657 م)، حيث كانت معركة صفين بين علي ومعاوية بن أبي سفيان الذي طالب بالقصاص لعثمان. انتهت المعركة باتفاق على التحكيم، لكنه زاد من تعقيد الموقف وأدى إلى ظهور جماعة الخوارج الذين رفضوا التحكيم واعتبروا أن علي ومعاوية كلاهما قد أخطأوا.

ليأتي حادث استشهاد الحسين بن علي في كربلاء (680 م)، عندما رفض الحسين بن علي مبايعة يزيد بن معاوية، مما أدى إلى المعركة غير المتكافئة في كربلاء. قتل الحسين وأسر عائلته، ما عزز الروح الشيعية وجعل ذكرى كربلاء حدثًا محوريًا في الهوية الشيعية.

أما من الزاوية السياسية فقد كان للخلافات السياسية دور كبير في تعميق الانقسام، خاصة تلك المتعلقة بشرعية الخلافة وطرق اختيار الخليفة. تحولت القضايا السياسية إلى عقائدية مع مرور الزمن، مما أدى إلى تشكل مدارس فقهية وكلامية مختلفة.

لعبت ساعتها الاختلافات الثقافية والقبلية داخل المجتمع الإسلامي المبكر دورًا في تكوين الهويات المميزة لكل من الشيعة والسنة. أما التفاعلات الاجتماعية والسياسية على مر العصور فقد أدت إلى تعزيز هذه الهوية وتميزها.

أدى تطور الفقه الإسلامي إلى تأصيل الانقسام من خلال تفسير مختلف للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية. و تبلورت مفاهيم مثل الإمامة عند الشيعة، التي تعتبر القيادة الروحية والسياسية في نسل علي بن أبي طالب، بينما ركز السنة على مفهوم الشورى والاختيار الجماعي للخلفاء.

لتنتهي الأمور بفهم جذور الانقسام بين الشيعة والسنة بأنه يتطلب تحليلًا دقيقًا للأحداث التاريخية والعوامل السياسية والاجتماعية والدينية التي ساهمت في تشكله. رغم أن هذه الانقسامات كانت في البداية ناتجة عن خلافات سياسية، إلا أنها تطورت بمرور الزمن لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الهوية الإسلامية المعاصرة. ومع ذلك، يظل هناك العديد من الدعوات إلى التقارب والوحدة بين المذاهب الإسلامية، مؤكدين على المشتركات الأساسية في العقيدة الإسلامية.

بهذا الفهم العميق والمتأني لتاريخ نشأة مصطلحي الشيعة والسنة، يمكننا الوصول إلى رؤية أكثر شمولية وموضوعية تعزز من فهمنا للتاريخ الإسلامي وتساعد في تحقيق التعايش والتفاهم بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم. وأي إختلاف أو تنافر حتما سيكون لصالح الخصوم الأزليين لقوله تعالى في سورة البقرة الآية 120 : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) صدق الله العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!