المصطفى الجوي – موطني نيوز
شهدت مدينة بنسليمان صباح اليوم السبت، الموافق 7 شتنبر 2024، حادثة مأساوية هزت أرجاء المدينة وأثارت موجة من القلق والتساؤلات حول سلامة المنتجات الغذائية في المنطقة. فقد تعرض 27 مواطناً للتسمم في ظروف غامضة، مما استدعى تدخلاً سريعاً من مختلف الجهات المعنية.
فور انتشار الخبر عبر المنابر الإعلامية المحلية، تحركت السلطات المحلية والأمنية والتقنية بسرعة للتحقيق في الأمر. وفي خطوة عاجلة، تم ضبط مواد مشبوهة داخل محلبة في حي الفرح، حيث قامت الجهات المختصة بأخذ عينات منها قبل إتلافها في منطقة غابوية مجاورة. كما دخلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على الخط، مطالبة بإجراء تحقيق شامل وشفاف في الحادثة لكشف ملابساتها وتحديد المسؤوليات.
رغم الإجراءات السريعة التي اتخذتها السلطات، إلا أن هناك سؤالاً جوهرياً يبقى يتردد في أذهان المواطنين والمراقبين : من أين جاء هذا الحليب الفاسد؟ وهو السؤال الذي يبدو أن هناك جهات تحاول التستر عليه. فصاحب المحلبة المعنية معروف في المنطقة بامتهانه لهذه الحرفة منذ زمن، وليس فلاحاً أو مربياً للماشية، بل تاجراً. والأهم من ذلك، أنه لم يسبق لمحلبته أن تسببت في أي أذى للمستهلكين. هذا ما يدفعنا للتساؤل بإلحاح عن الجهة المسؤولة عن توريد الحليب للمحلبات في المدينة؟.
ففي محاولة للإجابة عن هذا السؤال المحوري، أجرى “موطني نيوز” تحقيقاً معمقاً كشف عن وجود عدد من التعاونيات الفلاحية في إقليم بنسليمان، بما فيها تعاونيات متخصصة في إنتاج وبيع الحليب. ووفقاً للمعلومات التي توصلت إليها “موطني نيوز”، فإن هذه التعاونيات تقوم ببيع إنتاجها اليومي لشركات كبرى مثل “سونطرال” و”كوباك”. هذه الشركات، بدورها، تجري اختبارات صارمة لتحديد جودة الحليب، وتشتري المنتج السليم فقط، تاركة الحليب غير المطابق للمواصفات لدى التعاونيات.
وهنا تبدأ الحكاية الحقيقية، إذ يطرح السؤال نفسه بإلحاح : ماذا تفعل تلك التعاونيات بالحليب الذي تم رفضه؟ أو بعبارة أخرى، كيف تتخلص هذه التعاونيات من الحليب الفاسد؟ الجواب، وفقاً لمصادر “موطني نيوز”، مثير للقلق. فيبدو أن بعض هذه التعاونيات تقوم بالاتصال بتجار الحليب بالتقسيط، المعروفين محلياً باسم “موالين اللبن”، ويتم بيعهم الحليب الفاسد بنصف الثمن، أي ما بين درهم ونصف إلى درهمين. هؤلاء التجار، بدورهم، يقومون بإعادة تدوير هذا الحليب لإنتاج منتجات أخرى مثل اللبن والزبدة والرايب، مع إضافة مواد صناعية له، يطلق عليها محلياً اسم “الكينة”، لتحسين قوامه وإخفاء عيوبه. بالإضافة الى بائعي “سيكوك”.
وما يثير القلق أكثر هو أن هذه الممارسات تتم في ظل غياب شبه تام للرقابة. فلا توجد جهة تراقب بشكل منتظم هؤلاء التجار الصغار أو تسائلهم عن مصدر كمياتهم من الحليب. كما أن هناك تساؤلات جدية حول مدى قيام المسؤولين بزيارات تفتيشية للتعاونيات للتحقق من كيفية التصرف في الكميات المرفوضة من الحليب. وهنا يكمن مربط الفرس، إذ يبدو أن صحة المواطن في هذا الإقليم ليست على رأس أولويات بعض الجهات المعنية.
وللتأكيد على خطورة الوضع، توصل “موطني نيوز” بمعلومة خطيرة مفادها أن بعض التعاونيات لا تزال تحتفظ بكميات كبيرة من هذا الحليب الذي تم رفضه في هذه الأثناء داخل ثلاجات عملاقة. وهنا يطرح السؤال نفسه بإلحاح : هل ستتحرك السلطات المحلية والأمنية، إلى جانب مكتب حفظ الصحة و”لونسا” (المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية)، لتفتيش هذه التعاونيات والتحقق من سلامة منتجاتها؟ وهل بالفعل تحتفظ بالكميات المرفوضة؟ واذا كان الجواب لا، فأين يتم التخلص منها؟.
إن هذه الحادثة المؤسفة تسلط الضوء بشكل صارخ على ضرورة تشديد الرقابة على سلسلة إنتاج وتوزيع الحليب ومشتقاته في إقليم بنسليمان وربما في مناطق أخرى من المملكة. فالأمر لا يتعلق فقط بجودة المنتج، بل يمس بشكل مباشر صحة المواطنين وسلامتهم.
ختاماً، تبقى الكرة الآن في ملعب السلطات المعنية للتحرك بسرعة وحزم لكشف كافة ملابسات هذه القضية، ومحاسبة المتورطين فيها، ووضع آليات رقابة صارمة تضمن عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً. فصحة المواطن وسلامته يجب أن تكون فوق كل اعتبار، وأي تهاون في هذا الأمر قد تكون له عواقب وخيمة على المجتمع بأسره. بالإضافة إلى ان بهذا الاقليم الفاسد العديد من المهن التي تمس صحة وسلامة المواطن غير مراقبة، والكثير يمارسونها بدون اي ترخيص او تفتيش.