المصطفى الجوي – موطني نيوز
لطالما كان إقليم بنسليمان محط أنظار المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي المحلي والوطني، نظراً للظواهر الغريبة والفضائح المتكررة التي تحصل فيه. لكن ما جرى مؤخراً في الانتخابات البرلمانية الجزئية لاقتناص المقعد الثاني، يعتبر قمة الجبل الجليدي ومرآة صادقة تكشف لنا مدى الانحطاط والفساد الذي وصلت إليه المنظومة السياسية الحزبية ببلادنا.
لقد كشفت هذه الانتخابات عن الوجوه المخزية والقبيحة لبعض الأحزاب التي لا تزال تحسب نفسها أحزاباً سياسية، في حين أنها لم تعد سوى دكاكين حزبية صغيرة تُدار بمنطق تجاري بحت، لا تفرق بين الصالح والطالح، وقيمتها الحقيقية باتت في مهب الريح إنطلاقا من نوعية مرشحيها. هذه الأحزاب لم تعد تمثل سوى نفسها وأهوائها الشخصية الضيقة، فقدت كل مصداقية وأخلاق ومبادئ، وباعت ضميرها السياسي من أجل تحقيق مكاسب آنية زائلة.
ما حصل في بنسليمان ليس سوى واجهة صارخة لحالة الانهيار الأخلاقي والسياسي التي تعيشها بلادنا منذ سنوات. فالأحزاب التي كانت يوماً رموزاً للكفاح من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، قد تحولت اليوم إلى أدوات للفساد والمحسوبية والزبائنية والتمويل غير المشروع لجماعات النفوذ والمصالح الخاصة.
لقد بات من الواضح أن هناك انفصاماً كبيراً بين خطابات هذه الأحزاب المعلنة والواقع الفعلي لممارساتها على أرض الواقع. فبينما تتشدق هذه الأحزاب بالدفاع عن قيم الديمقراطية والحريات والشفافية والنزاهة، نجدها في الواقع تمارس أقصى درجات الفساد والانتهازية والمناورات الملتوية خلف الكواليس. بل وتعطي الوجه الحقيقي الذي يبقى لسان حالهم هو “فاقد الشيء لا يعطيه” وللأسف هذه هي الحقيقة المرة.
فكيف لنا أن نصدق أحزاباً تقبل بكل بساطة شراء الأصوات وتجنيد المرتزقة السياسيين لإفساد العملية الانتخابية؟ وكيف لنا أن نثق في أحزاب ترفع شعارات مكافحة الفساد وهي في الحقيقة تزكي أشخاص فاسدين أخلاقا وخلقا.
إن ما حصل في بنسليمان هو أكبر دليل على أن غالبية الأحزاب السياسية قد خانت مبادئها وتحولت إلى مجرد فصائل نفعية تسعى للاستحواذ على المغانم والنفوذ بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح الوطن والشعب. فقد أضحت هذه الأحزاب تعتبر الساحة السياسية ملكاً خاصاً لها، وأن المناصب والكراسي البرلمانية هي حق مكتسب لا يجوز المساس به. ولا يهمها من ستزكي؟ ومن سيمثلها؟ من سيترافع بإسمها ويلمع صورتها؟.
هذا التصرف الاستعلائي والاستبدادي هو الذي أفرز لنا هذه النوعية من السياسيين والقادة الفاسدين والمنحرفين أخلاقياً، والنتيجة سيل من الاعتقالات والمتابعات القضائية والفرار خارج أرض الوطن. الذين لا يرون في السياسة سوى فرصة للثراء الفاحش وشراء الولاءات عبر توزيع المغانم والامتيازات على أتباعهم ومحازيبهم. ولا عجب أن كل المؤشرات الدولية تصنف بلادنا ضمن الدول الأكثر فساداً وتخلفاً على المستويين السياسي والاقتصادي.
وفي ظل هذا الواقع المرير، كيف لنا أن نتطلع لمستقبل أفضل وأكثر ازدهاراً لبلادنا؟ كيف لنا أن نحلم ببناء دولة حديثة ومزدهرة بينما أحزابنا السياسية لا تزال تنتهج سلوكيات قرونٍ وسطى متخلفة؟ وفرض سلطة الاقوى على فروعها المحلية والاقليمية لدرجة فرض مرشح فاسد على الساكنة حتى لو اعترض مسؤولي الحزب محليا. المهم هي رغبة الامين العام أو المنسق الجهوي.
الحقيقة أنه لا أمل في أي تغيير حقيقي على الساحة السياسية في أيامنا السوداء هاته، ما لم نقرر جميعاً الاستغناء عن هذه الأحزاب العفنة والانخراط في مشروع سياسي وطني جديد، يستند إلى الكفاءات الحقيقية وأخلاقيات الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة. ولكم ان تتمعنوا جيدا في قادة الأحزاب المغربية وماذا تغير فيها؟ فلا يزال يجثم على كراسي مسؤوليتها شيوخ وكهول يرفضون مغادرتها “اقل من 5 ولايات مقابلينش”..
وهذا الحزب هو حزب “الملك”، ألستم أنتم أيها الأحزاب من تقفون تحت قبة البرلمان بعد نجاحكم في الانتخابات بنسبة لم تتجاوز ومنذ الاستقلال 15% وتقولون بالحرف إننا نطبق وننزل مشاريع سيدنا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله؟ إذن ما هو دوركم إذن؟ ولما تثقلون ميزانية الدولة برواتبكم؟.
لقد آن الأوان للتخلص من هذه الأحزاب العفنة التي لم تعد تمثل سوى رموز الفساد والانحطاط. فهل من مستجيب؟
ولنكن واضحين، فمهما حاولت هذه الأحزاب تلميع صورتها وإخفاء فضائحها، فإن الشعب قد فقد كل ثقة فيها وبات يدرك أن مصالح الوطن تقتضي التخلص من هذه الأحزاب والمضي قدمًا في بناء كيان سياسي جديد يحترم إرادة الناس وآمالهم في حياة كريمة وآمنة. واتحدى أعتى الأحزاب وأقدمها وأعرضها قاعدة ان تكتسح الانتخابات أو يكون عليها إجماع بنسبة 50,05%. غير ذلك فأنتم لا تمثلون الشعب المغربي ولكن تمثلون أنفسكم وتسهرون على حماية أغراضكم الشخصية ومستقبل أبنائكم.
ما حصل في بنسليمان هو درس بليغ لنا جميعًا، يظهر لنا كيف يمكن للفساد السياسي والانحراف الأخلاقي أن يدمرا بلدًا بأكمله إذا لم يتم الحد منهما. فالظاهرة التي شهدناها ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي نتيجة حتمية لسنوات من المحسوبية والزبائنية والاستبداد الحزبي.
إن ما يجري الآن هو انهيار لنموذج سياسي فاشل، دفع ثمنه الشعب غاليًا. فهل سنستمر في التمسك بهذا النموذج المدمر؟ أم آن الأوان لنبني بلدًا جديدًا على أسس المساواة والعدل والشفافية؟
الخيار لنا جميعًا، فإما أن نتخلص من هذه الأحزاب العفنة ونبدأ من جديد، أو نواصل الانزلاق نحو المزيد من الفوضى والانهيار. فهل ستكون بنسليمان النقطة الفاصلة لبداية عهد جديد؟ أم ستظل مجرد واحدة من فضائح كثيرة؟ الجواب بين أيدينا.
ختاما أقول إما الدفع بالكفاءات قدما لحمل مشعل التنمية وتغير مصير هذه الأمة ومساعدة عاهل البلاد، أو التركيز فقط على أصحاب الشكارة ممن يشترون التزكية ويشترون الأصوات، ليختتم هذا العرس الانتخابي ببيع البلاد و العباد، لأن الشيء الذي يشترى يباع وبما ان “مول الشكارة” إشترى صوت الضمير فيحق له بيعه.
اذن لا تسألوا المواطن لما باع نفسه، ولا تسألوا العاهرة لما هي كذلك؟ ولا تسألوا الشاب الذي ارتمى في حضن الأمواج العاتية ليقطع الى الضفة الأخرى، لماذا غادرت وطنك يا بني؟ لا تسألوا….
لأن من الآداب التي دعا إليها الإسلام ما قررته سورة المائدة في الآية الكريمة 101 بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَسۡـَٔلُوا۟ عَنۡ أَشۡیَاۤءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسۡـَٔلُوا۟ عَنۡهَا حِینَ یُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِیمࣱ﴾ صدق الله العظيم.