المصطفى الجوي – موطني نيوز
في زاوية منسية من هذا العالم الصاخب، تختبئ روايات مؤلمة لم يسمعها أحد. قصص عاشها أناس عاديون، لكنهم سُلبوا الحق في أن يكونوا محور اهتمام أحد. هنا، في خانات الذكريات، تتجمع شرائح من المجتمع التي أهملناها لفترة طويلة جدًا.
تُصغي إلى حكاياتهم المريرة، لتدرك أن الشيخوخة ليست مجرد تجاعيد على الوجه أو شعر رمادي، بل هي عذاب نفسي يُفتت الروح شيئًا فشيئًا. إنها صرخة مكتومة، ينبعث صداها من أعماق قلوب جرداء، تحترق بنيران الوحدة والإهمال.
لا يمكن تجاهل تلك الصرخة الخافتة، فهي تهز أركان الإنسانية بأكملها. كيف يُعقل أن نترك كبار السن، أولئك الذين بنوا حضارتنا وأرسوا دعائم مستقبلنا، يواجهون العتمة الكئيبة في آخر أيامهم؟
إن قصصهم تشعرنا بالخجل العميق، فقد جرينا وراء أضواء الشهرة والنجاح، غافلين عن ضوء الحب والتضامن الذي كان ينبغي أن يُشع في حياتهم. أصبحنا كالرماد الذي تناثر بفعل الرياح، بعيدًا عن جذورنا وأصولنا الإنسانية.
في تلك الخانات المظلمة، يُقصّون علينا قصصًا عن بطولاتهم الوهمية، محاولين إضفاء بعض السعادة على حياتهم القاحلة. لكننا لا نستمع بتذمر فحسب، بل نتجاهلهم بشكل مروع، مُفضلين انشغالنا بأمور زائلة على إعطائهم القليل من وقتنا واهتمامنا.
إن رسالتهم واضحة: اهتموا بتكوين أسرة، واحرصوا على الروابط الإنسانية الدافئة، فهي الضوء الحقيقي الذي سيُنير طريقكم في المستقبل. لا تُضيعوا حياتكم في السعي وراء الشهرة الزائلة، فستجدون أنفسكم فجأة وحيدين، محرومين من الدفء والحنان اللذين كنتم تحتاجانهما بشدة.
في النهاية، علينا أن ندرك أن الحياة قصيرة جدًا لنضيعها في مطاردة أشباح الماضي أو أحلام المستقبل. يجب أن نعيش اللحظة الراهنة بكل تفاصيلها، ونقدر الروابط الإنسانية التي تُشكل جوهر وجودنا.
لنُصغِ إلى صرخات خانات الذكريات، ولنمد أيدينا لكبار السن، ليس بالشفقة، بل بالاحترام والتقدير. فهم يستحقون أن نكون جزءًا من قصصهم، ونُضيء مساراتهم بدفء عائلاتنا وحبنا الصادق. معًا، لنجعل من الشيخوخة تجربة إنسانية رائعة، بدلًا من كابوس مظلم ينتظرنا جميعًا في نهاية المطاف.