المصطفى الجوي – موطني نيوز
إن تصنيف الناس إلى “أخيار” و”أشرار” هو أمر أكثر تعقيدًا مما قد يبدو في الظاهر. كما أشار الكاتب البرتغالي أفونسو كروش، لا يمكننا أن نعتبر شخصًا طيبًا إلا إذا كان لديه القدرة على فعل الشر ولم يفعل. ببساطة، الطيبة تأتي من القوة والاختيار، وليس من الضعف أو محدودية الخيارات.
وكما لاحظ الفيلسوف فريدريك نيتشه، هناك من يظنون أنفسهم أخيارًا لمجرد أنهم لا يملكون القدرة على الشر. لكن هذا الاعتقاد يفتقر للعمق والنضج. الحقيقة هي أن الإنسان معقد بطبيعته، ويحمل في داخله كلاً من الخير والشر. فالشر ليس مجرد غياب للخير، بل هو جانب آخر من طبيعتنا البشرية.
إن معرفة هذه الحقيقة المتناقضة في الطبيعة البشرية هي أمر بالغ الأهمية. فعندما ندرك أننا جميعًا قادرون على الخير والشر على حد سواء، نصبح أكثر رحمة وفهمًا تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين. نحن لسنا مُحددين سلفًا كأخيار أو أشرار، بل نملك القوة لاختيار من هؤلاء أن نكون.
في النهاية، إن القدرة على ممارسة الشر دون الوقوع فيه هي ما يُميز الإنسان الحقيقي. فالطيبة التي لا تواجه تحديات أو إغراءات ليست حقيقية. والقوة الكامنة في داخلنا تمنحنا الحرية للاختيار وتُعطي معنًى أعمق لأفعالنا الخيرة.
إن البحث عن الكمال والتوازن بين الخير والشر هو ما يحرك الإنسان منذ القدم. فالبشرية دائمًا ما تسعى إلى تحقيق الفضيلة والتخلص من الرذيلة. ولكن الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك.
إن هذا التوازن الدقيق بين الخير والشر هو ما يُشكل حقيقة الإنسان. فنحن لسنا مُقسمين إلى فئتين متناقضتين، بل نحمل في داخلنا كلاً من الفضائل والرذائل. والتحدي هو اختيار الطريق الأفضل، والسعي نحو الكمال بحكمة ورحمة.
في النهاية، إن الاعتراف بهذه الحقيقة المعقدة للطبيعة البشرية هو أمر بالغ الأهمية. فهذا الفهم العميق سيمكننا من التعامل مع أنفسنا وغيرنا بمزيد من التعاطف والحكمة. وربما هذا هو الطريق الأمثل لتحقيق الخير الحقيقي في عالمنا.
في تأملنا لحقيقة الإنسان وطبيعته المركبة من الخير والشر، نصل إلى استنتاج عميق: إن ما يُميز الإنسان الحقيقي ليس الطيبة المطلقة أو الشر المُطلق، بل القدرة على الاختيار بين الاثنين.
إن هذه الحرية في الاختيار هي ما يعطي للأفعال الخيرة والأخلاقية معناها وقيمتها الحقيقية. فالطيبة التي لا تواجه تجارب أو إغراءات ليست طيبة حقيقية. بل الطيبة الحقيقية هي تلك التي تنبع من إرادة حرة في مواجهة قوى الشر الكامنة في الطبيعة البشرية.
وهنا تكمن الجوهر الفلسفي الذي يميز الإنسان عن سائر المخلوقات. فالحيوانات تتصرف بغرائز محددة، بينما البشر لديهم القدرة على التفكير والتحليل والاختيار. إنها هذه القدرة التي تُمنحنا العظمة والأخلاق والمسؤولية.
في النهاية، إن الاعتراف بالحقيقة المزدوجة للطبيعة البشرية هو ما يُمكننا من التعامل مع أنفسنا وغيرنا بحكمة وتعاطف أكبر. فلا طيبة حقيقية بدون قوة الاختيار، ولا شر حقيقي بدون إرادة حرة. هذا هو لب الحقيقة الإنسانية التي علينا أن نفهمها وندرك أبعادها الفلسفية العميقة.