صوت المؤذن ووقواق الهوية رحلة بين الذكرى والتحدي

حسن سمومي خبير في علم الإجرام

حسن سمومي – موطني نيوز

قبل أن يأتي الوقواق ليضع بيضه في عشّنا، من يتذكر ذلك الصوت الجميل والقوي الذي كان يخترق صمت الصباح الباكر بينما كنا نستمتع بنومنا وغطائنا الدافئ؟ كانت تلك سحر المؤذن. صوت خطوات خفيفة جداً تتجه نحو الحمام لأداء طقس الوضوء، استعداداً لصلاة الفجر قبل شروق الشمس.

بصوت ناعم جداً، كان أبي يهمس في أذني لأرافقه إلى المسجد، لحظة صعبة جداً بالنسبة لي، فقد كان عليّ أن أترك راحتي وأستعد لنفس طقس أبي، أي الوضوء، ولم أكن حينها سوى في السابعة من عمري، باختصار. كان المسجد يقع على بعد بضعة شوارع من منزلنا، أربعمائة متر كحد أقصى، وبالنسبة لي كان ماراثوناً لا ينتهي لأنني كنت نصف مستيقظ.

بعد صلاة الفجر، كان علينا البقاء مع أبي في المسجد لتشكيل حلقة تتكون من الإمام ومصلين آخرين لتلاوة القرآن، جلسة كانت تستمر ساعة أو أكثر قليلاً حسب وتيرة القراءة. في نهاية هذه الجلسة، لم تكن لدي سوى رغبة واحدة، وهي العودة إلى سريري لأستعيد ساعة من النوم قبل أن أستيقظ للذهاب إلى المدرسة، وهذه قصة أخرى.

منذ صغرنا، غُرست فينا قيم الصبر والشجاعة للاستيقاظ مبكراً ومواجهة الحياة تدريجياً، دون أن ننسى أن تعليمنا كان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ومراقبة من بعيد وقريب. كيف لا ننقل لأبنائنا هذه القيم الجميلة في ظل الاحترام التربوي والروحي؟

للأسف، هذا الطائر المشؤوم المسمى الوقواق، بعد أن وضع بيضه بين بيضنا، انتهى به الأمر بطرد الفراخ الأخرى من عشها، مضحياً بها لكي تستمر سلالته في احتلال الأعشاش الأخرى، ولمحو هوية الآخرين وإعلان سيطرة على أرض، بينما يتغذى على خدمات أم الفراخ المطرودة، ومع ذلك كانت الأم كريمة جداً بقبول بيضة غريبة في عشها. فهل يجب أن نحصّن الأعشاش لمنع المتطفلين من محو هويتنا الثقافية والروحية، أم نفعل كما تفعل النعامة، فرغم حجمها الهائل، فإنها تدس رأسها في الرمال؟ لذوي الألباب

حسن سمومي
خبير في علم الجريمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!