المحكمة الدستورية : القانون التنظيمي رقم 97.15 الخاص بالإضراب ليس فيه ما يخالف الدستور

المحكمة الدستورية في المغرب

المصطفى الجوي – موطني نيوز 

في خطوةٍ قانونيةٍ بارزة، أعلنت المحكمة الدستورية المغربية عن قرارها التاريخي بشأن مطابقة القانون التنظيمي رقم 97.15، الذي يُنظم شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، لأحكام الدستور المغربي. جاء هذا القرار بعد مراجعةٍ شاملةٍ لبنود القانون، التي تهدف إلى تحقيق توازنٍ دقيقٍ بين ضمان الحقوق النقابية للعمال وحماية المصالح العامة والاقتصادية، في إطار احترام المبادئ الدستورية التي تُكرس العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.

يرتكز القانون على مبدأين أساسيين: الأول هو ضمان حق العمال في الإضراب كأداةٍ للدفاع عن مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية، وفقاً للفصل 29 من الدستور الذي ينص صراحةً على أن “حق الإضراب مضمون”، مع إلزام المشرع بتنظيم شروطه عبر قانونٍ تنظيمي. أما المبدأ الثاني، فيتمثل في الحفاظ على استقرار المرافق العامة وحماية حقوق الأطراف الأخرى، مثل أرباب العمل والمجتمع ككل، انسجاماً مع فصول دستورية أخرى، مثل الفصل 21 الذي يُؤكد على “حق كل فرد في سلامة شخصه وأقربائه”، والفصل 154 الذي يوجب ضمان استمرارية الخدمات العامة.

من أبرز النقاط التي ناقشتها المحكمة آلية الدعوة إلى الإضراب، حيث اشترط القانون أن تصدر الجهة الداعية لهذا الإجراء عن منظمات نقابية تمثل العمال تمثيلاً ديمقراطياً، أو لجان إضراب تُشكل وفق ضوابط تضمن مشاركة العمال غير المنتمين لنقابات. كما شددت المحكمة على ضرورة استنفاذ سبل الحوار الجماعي والتصالح قبل اللجوء إلى الإضراب، تماشياً مع روح الفصل 8 من الدستور الذي يحث على تعزيز المفاوضات الجماعية. وفي حال فشل الحوار، يحق للعمال المضي قدماً في الإضراب، شريطة إبلاغ الجهات المعنية مسبقاً، وضمان عدم تعطيل الخدمات الحيوية التي تُهدد حياة المواطنين أو سلامتهم، كالمستشفيات ومرافق المياه والطاقة.

ولضمان التوازن، منح القانون صلاحياتٍ للسلطات العمومية وللقضاء للتدخل في حالات استثنائية، مثل الكوارث الطبيعية أو الأزمات الوطنية الحادة، حيث يُمكن لرئيس الحكومة وقف الإضراب مؤقتاً لحماية النظام العام، وفق ضوابط زمنية محددة وقرارات مُعللة. كما خوّل القضاء سلطة تحديد “الحد الأدنى” من الخدمات الواجب استمرارها خلال الإضراب، وحل النزاعات بين الأطراف في حال تعذر الاتفاق، مما يعكس التزاماً بمبدأ فصل السلطات واحترام ضمانات التقاضي العادل.

أما في ما يتعلق بالجزاءات، فقد أكدت المحكمة أن العقوبات المقررة ضد من يخالفون إجراءات الإضراب المشروع — مثل إحلال عمال غير مضربين مكان المضربين أو عرقلة حرية العمل — تتناسب مع طبيعة المخالفات، دون أن تُشكل قيوداً تعسفيةً على الحق الدستوري في الإضراب. وفي المقابل، حظيت الضمانات القانونية للعمال المضربين باهتمامٍ كبير، حيث نص القانون على حمايتهم من الفصل التعسفي أو الإجراءات التمييزية، وضمان استمرارية أجور العاملين لدى المهنيين المضربين، ما يعزز مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.

لم تُغفل المحكمة الإشارة إلى الانسجام بين هذا القانون والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، مثل اتفاقيات منظمة العمل الدولية، والتي تُعزز حقوق العمال في ظل احترام التشريعات الوطنية. كما أكدت أن الأولوية في التطبيق تُمنح للأحكام الأكثر فائدةً للعمال في حال تعارض النصوص، انسجاماً مع المبادئ الدستورية التي تهدف إلى “إرساء مجتمع متضامن” — كما ورد في ديباجة الدستور.

هذا، يُعد هذا القرار تأكيداً على سمو الدستور المغربي كمرجعيةٍ عليا في تنظيم الحقوق والحريات، حيث نجح المشرع — تحت رقابة المحكمة الدستورية — في صياغة إطارٍ قانونيٍ متوازنٍ يُحقق غايتين: ضمان حق العمال في التعبير عن مطالبهم عبر الإضراب، مع الحفاظ على المصلحة العامة واستقرار المنظومة الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يعكس نضجاً في التعاطي مع الحقوق النقابية، في ظل سعي المغرب الدائم إلى تعزيز دولة القانون والمؤسسات.

حيث قضت المحكمة الدستورية بتاريخ 12 مارس 2025، في الملف عدد 298/25 القرار رقم 251 م.د/25.

أولا : تصرح بأن القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب ليس فيه ما يخالف الدستور، مع مراعاة الملاحظات المتعلقة بالمواد 1 و 5 و 12.

ثانيا : تأمر بتبليغ نسخة من قرارها هذا إلى السيد رئيس الحكومة، وبنشره في الجريدة الرسمية.

قرار المحكمة الدستورية بخصوص قانون الإضراب 97.15

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!