
المصطفى الجوي – موطني نيوز
في خطوة مثيرة للجدل تهز أركان الثقة بين المؤسسات المالية والمواطنين، أقدمت إدارة الضرائب المغربية على إجراء غير مسبوق يهدد بتقويض أسس العلاقة بين البنوك وعملائها. هذا القرار، الذي يسمح بالتحقيق في الحسابات البنكية للمواطنين، يفتح الباب على مصراعيه لتساؤلات جادة حول مدى احترام الدولة لخصوصية أفرادها وحقهم في السرية المصرفية. إن هذا الإجراء، الذي يضع المواطن العادي تحت المجهر ويجعله عرضة للمساءلة عن كل درهم يدخل حسابه أو يخرج منه، يمثل تحدياً لمبدأ الخصوصية المالية الذي طالما اعتُبر من الركائز الأساسية للنظام المصرفي.
ولعل الأكثر إثارة للقلق هو التداعيات المحتملة لهذه الممارسات الاستقصائية على الاقتصاد الوطني ككل. فمن المرجح أن تدفع هذه الإجراءات المواطنين إلى سحب أموالهم من البنوك والاحتفاظ بها في منازلهم، مما قد يؤدي إلى انكماش في السيولة النقدية داخل النظام المصرفي. هذا التراجع في الودائع البنكية قد يكون له تأثير سلبي على قدرة البنوك على منح القروض، وبالتالي قد يعيق عجلة الاستثمار والنمو الاقتصادي في البلاد.
وما يزيد الأمر تعقيداً هو قرار توسيع نطاق التحقيق ليشمل حسابات أقارب صاحب الحساب الأصلي، وهو ما قد يُعتبر تجاوزاً للصلاحيات وتعدياً على الحريات الشخصية. إن هذا النهج الاستقصائي الشامل قد يخلق مناخاً من عدم الثقة، ويقوض العلاقة بين المواطن والدولة، تلك العلاقة التي تعد حجر الأساس لأي مجتمع ديمقراطي سليم.
إن الوضع الراهن يستدعي دعوة إدارة الضرائب لمراجعة هذه السياسات والعودة إلى نهج أكثر توازناً، نهج يحترم حقوق المواطنين وخصوصياتهم المالية دون المساس بمصالح الدولة. كما أنه من الضروري أن تقوم السلطات المعنية بوضع ضوابط وآليات رقابة فعالة للحد من إمكانية إساءة استخدام هذه الصلاحيات الاستثنائية.
وبالتالي، لا بد من التأكيد على أن الثقة المتبادلة بين المؤسسات المالية والمواطنين هي الركيزة الأساسية لأي اقتصاد سليم ومزدهر. وعليه، فإن أي إجراءات قد تؤثر على هذه الثقة يجب أن تُراجع بعناية وحذر. صحيح أن مكافحة التهرب الضريبي هدف مشروع تسعى إليه الدول، لكنه لا يجب أن يتحقق على حساب الحريات الأساسية للمواطنين وحقهم في الخصوصية المالية. إن الموازنة الدقيقة بين حق الدولة في تحصيل الضرائب وحق المواطن في الخصوصية هي التحدي الحقيقي الذي يجب على صناع القرار مواجهته بحكمة وتبصر، لضمان مصلحة الجميع، دولةً ومواطنين على حد سواء.